تدخل التطورات الليبية منعطفاً جديداً في ظل مواقف مستجدة أهمها تعيين السنغالي عبد الله باتيلي مبعوثاً جديداً والرهانات على ما يمكن أن يحدثه في التوازن بين معسكر الدول الغربية من جانب، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والصين وروسيا من الجانب الآخر، وتلويح المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي، بالتدخل لحسم الصراع على الحكم في طرابلس، بين حكومتي الوحدة المؤقتة، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، والاستقرار الموازية، برئاسة فتحي باشاغا، والسعي لترتيب الأجواء بين رئيسي مجلسي النواب والأعلى للدولة، عقيلة صالح وخالد المشري.
وعلى الرغم من استمرار توقف القتال في طرابلس، فقد بدأت عناصر من ميليشيات أسامة الجويلي، المحسوب على باشاغا، التجمع غرب المدينة، بالتزامن مع حشود لقوات موالية للدبيبة، وعلى الرغم من توقف الاشتباكات على نطاق واسع فإن مجموعة تابعة للحرس الرئاسي، بقيادة أيوب أبو راس، هاجمت مجموعة تابعة لهيثم التاجوري، المحسوب على باشاغا داخل ضاحية عين زارة، وجاء ذلك وسط تصاعد أصوات داخل مجلس النواب تطالب بتنصيب حكومة جديدة وثالثة، تحل محل الحكومتين المتصارعتين على السلطة، كحل وسط لإنهاء الأزمة الراهنة وكان 58 عضوا بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا قد أصدروا مؤخرا بيانا موجها إلى الشعب الليبي أكدوا فيه أن الحل للأزمة، يجب أن يتم من خلال إجراء انتخابات تشريعية في المرحلة الأولى، تفضي إلى برلمان تنبثق عنه حكومة، على أن تكون المهمة الأساسية للبرلمان الجديد إنجاز الاستحقاق الدستوري وإجراء الانتخابات الرئاسية. وربما يكون هذا المدخل القانوني - إذا جرى اعتماده - يمكن أن ينهي التجاذبات السياسية حول قانون الانتخابات والقاعدة الدستورية.فيما كان مجلس الأمن قد عقد جلسة عاجلة استمع خلالها إلى إحاطة وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو، وإفادة رئيسة لجنة الجزاءات المفروضة على ليبيا بموجب القرار 1970 وخلص إلى أن أنه من الأهمية بمكان الحفاظ على المسار الأمني، منذ توقيع اتفاق وقف النار في أكتوبر 2020، واستمرار التأكيد على دور اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5.
من المؤكد أن مسار الأفق السياسي الراهن مرتبط بفشل المباحثات التي كان يجري الترتيب لها بين الدبيبة وباشاغا، حيث عكست تصريحات الدبيبة وجود مفاوضات غير معلنة بين الطرفين كانت قد سبقت هذه الاشتباكات الأخيرة وتخوفات الدبيبة من تغير ولاءات بعض المجموعات المسلحة، خاصةً «كتيبة 777» التي يقودها هيثم التاجوري، حيث تتمركز في نقاط حيوية داخل طرابلس، واستمرار التخوفات من احتمالية تكرار الاشتباكات داخل طرابلس خلال الفترة المقبلة، خاصةً وأن توقف أعمال القتال لا يزال هشاً مع رفض الولايات المتحدة والبعثة الأممية ما يجري.
ففي الوقت الذي يتهم فيه باشاغا الدبيبة بالفساد وتمكين أنصار النظام السابق يتهم الدبيبة خصمه بالتحالف مع المشير خليفة حفتر ومحاولة إدخال البعد العسكري فيما يجري، ومن ثم فإن اختلاف المليشيات قد يؤدي إلى نتيجة واحدة تتمثل في انهيار اتفاق جنيف. ومن المتوقع أن يدعو المشير حفتر بعد ذلك إلى حوار جديد، وبذلك يتجنب إجراء الانتخابات، والسعي للحصول على وقت ومكاسب جديدة من مرحلة انتقالية جديدة.
في المجمل، فإن الحل السياسي ما زال بعيد المنال، ما لم يسيطر طرف، أو تحالف على كامل الأراضي الليبية، ويصدر إعلاناً دستورياً جديداً يحل فيه المجلسين، النواب والأعلى للدولة، ويتولى كامل السلطة. وإلا فإن سيناريو استمرار التدخل الدولي، والضغط في اتجاه إجبار الأطراف المتصارعة على الرجوع إلى المجلسين التشريعيين للتوافق على قاعدة دستورية، وقانون انتخابات ربما ينهي الصراع بشكل سلمي.
فالوضع الحالي لا يعني نهاية المواجهة بل بدايتها. فالثابت الوحيد في ليبيا هو تغيير الولاءات، وليبقى الحل في إمكانية التوصل إلى ترتيبات جديدة خلال الفترة المقبلة عبر مشاورات بين الأطراف الإقليمية والدولية من أجل صياغة تسوية تحول دون تكرار التصعيد، وتمهد الطريق نحو الانتخابات، مع عدم استبعاد الحديث عن خريطة طريق جديدة خلال الفترة المقبلة.
* نقلا " الاتحاد"