أثبتت بعض الجرائم الأخيرة، فى مفارَقات قتل عدد من الفتيات على يد من أحبوهن إلى أقصى حد، انتقاماً على رفضهن الارتباط بهم، أن هناك خطأ كبيراً فى تفكير كثير من المُعلِّقين على هذه الأحداث، مِمن يعتقدون أن العلاج الناجع، الذى يظنون أنه يبرئ المجتمع تماماً من هذه الجرائم، يكون بالمزيد من وضوح التشريعات فى تحديد الجريمة وتغليظ العقوبات، والحسم من الأجهزة المعنية فى إعمال القانون، وسرعة القبض على المتهمين، والتعجيل بمحاكماتهم، وملاحقتهم بإنزال العقاب..إلخ.
ولكن، أنظر إلى تصريحات إعلامية من والد المتهم بقتل فتاة الزقازيق سلمى بهجت، الذى قال إن ابنه اعترف له بأن حكم الإعدام على قاتل نيرة أشرف فى المنصورة هو الذى شجَّعه على الإقدام على قتل ضحيته، وبنفس طريقة الذبح! وقال الفتى لوالده إنه لو كان الحكم ضد قاتل نيرة بأقل من الإعدام لما فكَّر هو فى أن يفعل ما فعل! وقبل التعجل بالقطع بأنه مختل أو مضطرب أو مريض نفسياً، ينبغى الانتباه إلى أن كل الإجراءات التى اتُخِذَت ضد قاتل شيماء، وكان يُظَن أن الإسراع بها يردع من يفكر بالمثل، إذا بها تقوم بدور عامل حفّاز لمشروع قاتل جديد، أو قل لهارب من الحياة يتمنى الموت!
يقول الأب فى تصريحاته إن ابنه قبَّل قدمه، عندما قابله فى محبسه بعد الجريمة، واستعطفه بأن يتركه للإعدام، لأنه يريد الموت.
من السهل على من ينظر إلى الوقائع من خارجها أن يقطع بأن الفتى مريض يستحق التعاطف والعلاج، وهو ما ذهب البعض إليه. وقد يتهمه آخرون، أو اتهموه بالفعل، بأنه يكذب ويراوغ ليتهرب من تبعات جريمته. ولكن ينبغى الانتباه، فى كل الأحوال، إلى أن الأطباء وحدهم هم الذين يحددون قدر إدراكه وقدر ما يتحمله عن فعله، فإذا قرروا أنه مسئول عن أفعاله وجب إعدامه، مع الوضع فى الاعتبار الحقيقة التى تتبين لنا الآن من أن الإعدام وحده لا يعالج جذور المشكلة، لأن أسبابها لا تزال فاعلة، وإذا كان لهذه الجرائم أى فائدة، فهى أنها تُنَبِّه المجتمع إلى اختلالات خطيرة لا تجدى معها الأفكار والأساليب السائدة.
* نقلا عن "الأهرام"