انخفضت أسعار النفط الخام مجددا أمس، بعد خسائر واسعة في تعاملات الثلاثاء بلغت نحو 5 في المائة رغم أنها بدأت التعاملات على ارتفاع، ما يعكس استمرار وتيرة التقلبات السعرية المتلاحقة نتيجة غياب الاستقرار في السوق.
وتعود التراجعات إلى قلق المستثمرين إزاء ضعف الاقتصاد العالمي واحتمال أن ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة وزيادة القيود للحد من تفشي كوفيد - 19 في الصين.
ويقول لـ"الاقتصادية"، محللون نفطيون إن تراجع أسعار النفط الخام بشكل حاد يعود إلى اتساع نطاق مخاوف التضخم وعودة القلق بشأن الطلب، مشيرين إلى دخول منطقة اليورو بالفعل في منطقة الركود، حيث تفكر معظم الحكومات في احتمالات حدوث انقطاع للتيار الكهربائي، كما أدى هبوط الأسهم الألمانية إلى إضعاف الجوانب المعنوية في السوق.
وأشاروا إلى أن ارتفاع تكاليف الطاقة أدى إلى تسجيل ألمانيا أول عجز تجاري شهري لها منذ 1991 في يونيو الماضي، حيث أصبح الاقتصاد الألماني أكثر اعتمادا على الصين في النصف الأول من 2022، لافتين إلى أنه في محاولة لوقف ارتفاع أسعار الطاقة تكتسب فكرة تطبيق سقف لأسعار الغاز على مستوى أوروبا زخما متزايدا وسيتم مناقشة الأمر بشكل مفصل في قمة أوروبية في 9 سبتمبر الجاري.
وذكروا أن توازن العرض والطلب أمر مطلوب ويواجه عديدا من الصعوبات في ظروف السوق الراهنة، وفى ظل تصاعد المخاطر الجيوسياسية، مشيرين إلى توقع انخفاض المخزونات النفطية الأمريكية هذا الأسبوع بنحو 500 إلى 600 ألف برميل، ما يدفعها إلى أدنى مستوياته في ثلاثة أشهر.
ولفت المحللون إلى ترقب الاجتماع الوزاري لتحالف "أوبك +" 5 سبتمبر الجاري لبحث مستجدات السوق ومناقشة القلق بشأن الركود، بالتزامن مع توقعات بنك "جولدمان ساكس" بعودة مكاسب الأسعار القياسية قريبا، كما يراقب التجار عن كثب زيادة محتملة في المعروض.
وفى هذا الإطار، يقول الدكتور فيليب ديبيش، رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، إن الاتجاه الهبوطي لأسعار النفط الخام عاد مجددا بقوة، حيث وصل الارتفاع السابق في أسعار النفط الناجم عن احتمالات خفض إنتاج "أوبك +" الوشيك إلى الحد الأقصى، مشيرا إلى أن مخاوف الاقتصاد العالمي فرضت كلمتها، ما أدى إلى انخفاض خام برنت إلى دون 100 دولار للبرميل.
ونوه إلى أن التوجس من انفلات معدل التضخم سيطر على المشهد، خاصة في أوروبا، حيث يوشك البنك المركزي الأوروبي بالفعل على تنفيذ فكرة رفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، لافتا إلى أن قيام "أوبك +" بخفض الإمدادات قد يتحقق خلال الأيام المقبلة خاصة مع حديث "أوبك" المستمر عن الانفصام بين أسواق النفط الورقية والمادية.
أما جوران جيراس، مساعد مدير بنك "زد إيه إف" في كرواتيا، فيرى أن خسائر الأسعار تعود أيضا في جانب منها إلى القلق من تقلص المعروض النفطي، والمزيد من الإصدارات الاستراتيجية للمخزونات النفطية.
ولفت إلى أن تراجع أسعار النفط حدث مع اشتداد المخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي، بينما تراجعت المخاوف من فقدان الإمدادات النفطية من العراق بعد التوصل إلى تهدئة في البلاد ووقف تصعيد أعمال العنف.
وتبددت مكاسب الإثنين الماضي التي كانت تعد أكبر المكاسب اليومية، فيما يقرب من ستة أسابيع، ودفعت سعر برنت إلى 104 دولارات للبرميل بسبب المخاوف السابقة بشأن الإمدادات من كل من ليبيا والعراق، فضلا عن احتمال خفض إنتاج "أوبك +".
بدوره، يرى أندريه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة، أن المخاوف بشأن الطلب تسود حاليا وتقود الاتجاه الهبوطي للأسعار، حيث فقدت الأسعار زخمها وسط مخاوف مستمرة من أن الزيادات الشديدة في أسعار الفائدة من البنوك المركزية بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي ستبطئ الاقتصادات لفترة طويلة من الزمن.
ونوه إلى أن التهدئة الحالية في العراق رفعت كثيرا من التوترات المتعلقة بالإمدادات، حيث أزاحت سوق النفط حاليا المخاوف من أن الاشتباكات في العراق ستضر بصناعة النفط وصادرات البلاد، وقد هوى النفط بعد أن قالت شركة التسويق الحكومية العراقية إن الصادرات لم تتأثر بالاشتباكات العنيفة في بغداد، بينما أدى انخفاض السيولة إلى تفاقم تحركات الأسعار.
من ناحيته، ذكر ديفيد لديسما، المحلل في شركة "ساوث كورت" الدولية، أن معنويات العزوف عن المخاطرة أثرت في معظم السلع ودفعت الأسعار إلى التراجع، حيث لم تؤثر الاشتباكات في بغداد على إنتاج النفط العراقي، ما أدى إلى تهدئة مخاوف التجار الأولية من احتمال تعطل مصدر رئيس للإمدادات.
وأشار إلى أن أسواق النفط تعاني حاليا الضيق في العرض، وهو ما قد تغلب على المخاوف في الأيام الأخيرة من أن الركود العالمي قد يبطئ الطلب، وفي الوقت نفسه تستمر السيولة في الانخفاض إلى أدنى مستوياتها في ستة أعوام، موضحا أن النفط الخام أوقف مساره الصعودي بعد أنباء عن أن العراق سيبقي موانئ التصدير مفتوحة على الرغم من الاضطرابات السياسية.
من ناحية أخرى، فيما يخص الأسعار، واصلت أسعار النفط انخفاضها أمس، مع قلق المستثمرين إزاء ضعف الاقتصاد العالمي واحتمال أن ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة وزيادة القيود للحد من تفشي كوفيد - 19 في الصين.
وانخفضت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط 2.58 دولار، أو 2.82 في المائة، إلى 89.06 دولار للبرميل بحلول الساعة 09:39 بتوقيت جرينتش بعدما انخفض 5.37 دولار في الجلسة السابقة بفعل مخاوف الركود.
وتراجعت كذلك العقود الآجلة لخام برنت تسليم أكتوبر التي انقضي أجلها أمس، 3.56 دولار عند 95.75 دولار للبرميل عقب انخفاضها 5.78 دولار الثلاثاء، وهبطت العقود الآجلة تسليم نوفمبر 2.70 دولار، أو 2.76 في المائة عند 95.14 دولار للبرميل.
من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 106.41 دولار للبرميل الثلاثاء مقابل 104.85 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثاني ارتفاع له على التوالي وأن السلة كسبت نحو خمسة دولارات، مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 101.93 دولار للبرميل.