في مبادرة جديدة من أجل بيئة نظيفة، ابتكر شباب جزائريون من منطقة "عنابة" جوهرة الشرق الجزائري، فكرة حملت عنوان: "ترمي تخلَّص" أي "من يرمي النفايات في الأماكن العامة سيدفع الثمن باهظا"، وهي فكرة أراد القائمون تفعيلها ميدانياً بعدما كانت توعية وإرشادات على مستوى الفضاء الافتراضي زمن وباء كورونا.
تهدف الفكرة بالأساس إلى لفت انتباه السلطات على مستوى الولاية الساحلية إلى ضرورة تجريم الرمي العشوائي للنفايات في الشوارع وفي الفضاءات العامة، خصوصا تلك المخصصة للراحة والاستجمام، من خلال خطوة ترمي إلى تحسين السلوك المدني والعمل على تعميمها في كل مناطق الوطن.
ويقول عبد الحكيم لعشيشي رئيس جمعية "الدراجة الخضراء" (Green bike) وهو أحد المبادرين لهذه الحملة، بأن شعارها هو "العيش في بلد نظيف"، لافتا في تصريح لـ"العربية.نت" إلى أنها تأسست عام 2018 بعدما كانت مجرد صفحة ناشطة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسوك"، مشيرا إلى أن الجمعية التي يرأسها ذات طابع رياضي.
وأضاف لعشيشي وهو يشغل منصب أستاذ في اللغة الإنجليزية ومدرب المنتخب الوطني لفريق الدراجات بأنه من المهمومين بنظافة المدينة، خصوصاً في بلد بحجم قارة يُحسب له أن يكون نظيفاً بفضل إمكانياته الطبيعية من جبال وصحراء وسواحل على طول الـــ 1200 كيلومتر من الشرق إلى الغرب، غير أن "مشاهد التزايد المقلق للنفايات في الأماكن العامة، تدفع بكل الغيورين على البلاد أن ينضموا إلى هذه المبادرة".
تعبئة مجتمعية
ويحمل المتحدث أملا كبيراً بالتفاف المواطنين والشباب على وجه خاص بالانخراط في المبادرة، مذكرا بأنه منذ بداية النشاط الميداني لجمعية "الدراجة الخضراء" أطلقت عدة مبادرات لقيت استحسانا لدى أوساط المواطنين الذين يتشاركون نفس الهم البيئي، منها "مثل الكمامة نريد غرامة على رمي القمامة"، والتي تحولت إلى مبادرة جديدة تحت مسمى "ترمي تخلّص" ضمن مساع تهدف إلى تفعيل سريع وتطبيق صارم لقانون الرمي العشوائي للنفايات بغرامة مادية أو قانونية.
وعليه طالبت جمعية "الدراجة الخضراء" جموع المواطنين بالانضمام إلى هذا المشروع البيئي ومساندتها من أجل معاقبة الأشخاص الذين يرمون الأوساخ تحت شعار شعبوي مسمّى: "نزبّل وين نحبّ" أي "ارمي النفايات أينما أشاء".
ومن هذا المنطلق الذي يرنو نحو القضاء على هذه الذهنيات، أكد لعشيشي أن المنخرطين في المبادرة سيبذلون كل جهدهم حتى يصل صوتهم إلى السلطات المعنية، مشددا: "لن نسكت عن كل التجاوزات البيئية التي باتت ديكورا يومياً، نريد أن نعيش في وطن نظيف".
الردع
ويحاول القائمون على المبادرة تفعيل القوانين التي تنص على تجريم رمي النفايات، وهذا ما تسعى إليه من خلال محامين انخرطوا أيضا في هذا المسعى، مشيرا إلى أن" أقل الحلول التي يمكن تنفيذها هي الردع".
وفي حديثه عن السياحة في الجزائر، قال لعشيشي إن المنطقة التي يقطنها مدينة تستحق أن تكون قبلة للملايين من السياح، غير أن عامل النظافة من شأنه أن يكون حاجزا أمام استقطاب هؤلاء، في محيط غير نظيف لا يمكن أن نلفت اهتمام الآخر، معرجاً على أن النظافة هي أساس كل مجالات العيش: "كل مجالات الحياة تفرض العيش في محيط نظيف، التعليم بالنظافة والصحة بالنظافة والسياحة بالنظافة، خصوصاً أن الجزائر تحولت إلى قبلة سياحة وتسعى الحكومة لاستقطاب عدد أكبر من السياح لاكتشاف البلد".
دعم ومساندة
وخطفت جمعية "الدراجة الخضراء" الأنظار منذ سنوات بعد أن اتسع نشاطها من مدينة عنابة إلى المدن المجاورة كولايات قالمة وتبسة وسوق أهراس وقسنطينة، حيث يقوم مجموعة من الشباب الجزائري بقيادة دراجات مزينة باللون الأخضر رمزًا لرغبتهم في الحفاظ على البيئة بتقليل استخدام السيارات.
ولم تتوقف اجتهادات مبادرة "ترمي تخلص" في حدود ولاية عنابة أو المدن المتاخمة لها، إذ لقيت اهتماماً واسعاً من مختلف أفراد الجالية الجزائرية بالخارج، ولقيت الدعم من قبل المواطنين والرياضيين وحظيت بمساندتهم المعنوية والمادية، في حين تطمح الجمعية لانخراط أكبر من قبل الرياضيين والممثلين وكل الأسماء التي لها تأثير في المجتمع حتى تنجح المبادرة التي تهدف إلى التمتع ببيئة نظيفة والعيش في محيط أخضر وجو يخلو من التلوّث.
ووجب الإشارة إلى أن الأرقام تفيد بأن كميات النفايات المنزلية في الجزائر تصل إلى أكثر من 15 مليون طن، حسب بيانات الحكومة الجزائرية، إذ من المتوقع وصولها إلى 20 مليون طن في غضون العام 2035، في حين تبلغ قيمة مشاريع إعادة التدوير لهذه المواد غير النظيفة نحو ـنصف مليار دولار.
