لم ترغب الشابة ليلى بوعروج (20 سنة) في ولوج المدرسة العليا للإعلام الآلي بالعاصمة الجزائرية، رغم نيلها شهادة البكالوريا وكان حُلمها مجال التقنيات والبرمجيات، إذ وجدت في التكوين الجامعي فُرصة ومحنة في الوقت نفسه بسبب اللغات فاختارت أن تتعلم الإنجليزية حتى تتمكن من الدخول لعالم المعرفة.
الحاجة والمطلوب
في الجزائر باتت المدارس الخاصة لتعليم اللغات منتشرة في كل حي وشارع، والسبب شغف كثيرين بتعلم الفرنسية والإنجليزية والتركية والإسبانية وحتى الصينية، وهذا تبعاً لتطور العالم والاقتصاد، أو لحاجة الضرورة، إذ هو المنحى الذي اتجهت نحوه ليلى وغيرها من الشباب الذين عرفوا أن الولوج لسوق الشغل يمرّ عبر إتقان لغة عالمية.
في المقابل مِنْ تَعلّمِها اللغات اعترفت ليلى بأنها لم تنتبه في البداية لهذه الجزئية من التعلم خاصة في السنة أولى من محطتها بالجامعة، بل كان الأمر مفروضا عليها بسبب المراجِع العلمية المستعملة في البحوث التي تحتاج منها على الأقل إتقان اللغة، فضلاً عن تواصلها بعدد من الجامعات الأجنبية الذي يتطلب منها إتقان اللغة.
ولوج عالم المال والأعمال
في نفس المضمار، يقول عمار فيلالي وهو متخرج من كلية الحقوق بجامعة قسنطينة شرق الجزائر، الذي اختار أن يدير مشروعاً رُفقة ثلاثة من أصدقائه في مجال الاستيراد والتصدير كان لزاماً عليه أن يتعلم اللغة الصينية فأغلب شركائه من هذا البلد الآسيوي.
وأشار لـ "العربية.نت" إلى أنه سجّل بمدرسة خاصة لتعلم اللغات لمدة عامين، ورغم تقطعاته عن التعلم لانشغالات ميدانية، إلا أن ما تعلمه سهّل عليه التعامل مع الكثيرين خارج الجزائر، في علاقة بالتجارة وعالم المال والأعمال.
صحيح أن الحاجة الاقتصادية جعلت من مدارس تعليم اللغات وجهة للكثيرين ورغبة لمن رسموا أهدافهم بعيدا عن محاضرات الجامعات، إذ وجد فيها البعض ضالتهم بسبب " تدني مستوى التعليم العمومي في هذا المجال، حيث لا تكفي ساعة أو ساعتان في الأسبوع لتعلم لغة ويحتاج مُداومة بعد النّهل من أبجدياتها واستمرارية التعلم اليومي، وهو إحدى خطط المدارس الخاصة التي ابتكرت طريقة التعليم المكثف للغات.
من هذه الناحية يرى أستاذ اللغة الإسبانية وليد طفراوي من منطقة "بومرداس " شرق العاصمة الجزائرية، أنه يشتغل في مدرسة خاصة لتعليم اللغات منذ ست سنوات بعدما ضاقت به السبل للحصول على وظيفة في مدرسة عمومية، فصارت بالنسبة له المدارس الخاصة ملاذاً لتقديم الدروس بشكل مكثف ويقبض أجرته من المدرسة بطريقة النسبة، أي أن أجرته يتقاسمها مع صاحب المدرسة وهو ما جعله يشتغل أكثر في هذا المجال.
وأضاف طفراوي في تصريح لـ"العربية.نت"، أن العملية باتت "تجارية" رغم أنها تُقدم خدمة لمن يريد تعلم اللغة في فترة قياسية، أو من يريد تحسين لغته الأجنبية.
موضة الحاضر
تزايد المدارس الخاصة لتعليم اللغات في الجزائر، بات أمرا طبيعيا، إذ تعترف بها الدولة كمدارس تعلم اللغات تحمل سجلات قانونية، ولكن الشهادات المتحصّل عليها لا تعادل بتاتا الشهادات الدراسية المرخصة من طرف الحكومة الجزائرية، لكنها في المقابل أصبحت مدارس تقدم الدروس في شتى التخصصات التي يزداد الطلب عليها خاصة ما تعلق منها بالإعلام الآلي واللغات والمحاسبة والتسويق، لا سيما أنها أصبحت في نظر البعض "موضة" كما تقول شهرزاد بوعاتي في تصريح لـ"العربية.نت"، معتبرة أن "الأولياء ينظرون أحياناً إلى أن تعلم اللغات وسيلة للتفاخر، وهو مظهر من مظاهر التقدّم أو التحضّر لا غير" على حدّ قولها.
في سياق ذي صلة لا تخفي السيدة بوعاتي ضرورة تقنين ومراقبة هذه المدارس ومدى أثرها على استيعاب الطلبة من الشباب من مختلف الأعمار، سواءً في الثانويات أو الجامعات، موضحة أن هذه المدارس باتت وجهة التلاميذ لتعلم اللغات، إذ لا يتعلم التلاميذ اللغات الأجنبية بشكل جيّد في المدارس التابعة لوزارة التربية، وهو ما يدفع بهم إلى استثمار الأموال لتعلمها خارج أسوار المؤسسات العمومية.
ومن جانب آخر، فإن المثير في هذه النقطة بالذات، أن البعض يتعلمون اللغة للتحدث بها في محيطهم الضيّق، من باب التفاخر كما ذكر البعض، وتماشيا مع عصر السرعة وعالم السوشيال ميديا.
في إحصائية غير رسمية، يٌوجد في الجزائر أكثر من 780 مدرسة خاصة لتعليم اللغات في مختلف مناطق الوطن، غير أن هناك مؤسسات خاصة تنشط خارج الإطار القانوني، ومنها ما يضمن تقديم دروس الدعم في اللغات لحاجة الكثيرين من تحسين وتمتين اللّغة، سيما أنها تشهد إقبالاً من التلاميذ الذين سيجتازون امتحانات مصيرية خاصة شهادة الباكالوريا وشهادة التعليم المتوسط.
