لوحاته على الرحيل الى المدينة التي سكنت عبد المجيد بن مسعود فحملها الى المحمل واللوحة ورسمها وشغف بها، قيروانه التي احبها وها هو يرسمها في كل أعماله، يحمل بعض تفاصيلها الى اغلب لوحاته.
هكذا تظهر القيروان في أعمال عبد المجيد بن مسعود منارة للجمال ولتداخل الالوان، القيروان تطل من ذاكرة الفنان فيعيد رسمها بطريقته المميزة وألوان جد مختلفة فتكون اضواء المدينة وذاكرة التراث وحنين وتناغم وجزيرة الاحلام ورقصة عجائبية وحرقة وحلم وركن الفنان وهي اسماء اللوحات المعروضة بدار الثقافة مرناق.
المدينة-اللوحة: شغف الطفولة وعبق الذاكرة
قيروانه يجدها الزائر في لوحة «اضواء المدينة» وهي زيت على قماش حيث تجدك في قلب السوق للمدينة العتيقة بتدرجاتها اللونية المبهرة، تتداخل الألوان تماما كما الواقع، يبرز اللون الأخضر متدرجا مناديا الزائر ان للقيروان سحرها في العمارة وفي تشكيلة لونية بصرية اتقن بن مسعود التعامل معها منذ الطفولة، تحضر تلك الرموز خاصة المكعبات الموجودة في الزربية القيروانية، الأحمر القاني الى جواره الاصفر متدرجا حدّ التلاشي ، هي بعض ما اختزنته الذاكرة من صورة السوق وأصوات الباعة تقدم أجمل السلع في مدينة تبهر زائرها بألوانها وأسرارها، تلك القيروان التي سحرت الشعراء فكتبوا فيها اجمل الاشعار، قيروان الشعر والحبّ يرسمها عبد المجيد بن مسعود فتضيء أضواء المدينة الدروب المظلمة وتشع الذكريات جميلة تتنصر لمدينة ضاربة في التاريخ ولها خصوصياتها المعمارية والحضارية التي التقتطها ريشة رسام عاشق.
سكنته المدينة فرسمها، أحب الوانها رغم حرارتها فرسمها بالاحمر، عشق امتداد سمائها المفتوحة فحول تلك الزرقة الى أعماله التشكيلية، يستحضر ذكريات الصبا فتتدافع الالوان والخطوط لترسم «ذاكرة التراث» اللوحة مثل قطعة مرقوم مرسومة بدقة، تبرز من خلالها التفاصيل الصغرى، ابراز التفاصيل، تلك المكعبات والمربعات والأشكال الهندسية المختلفة والرسومات التي نجدها في المنسوجات التقليدية اليدوية يصطحبها بن مسعود الى عمله التشكيلي فتبدو اللوحة وكأنها قطعة نسيج يدوية الصنع أبدعت في حياكتها امرأة بحجم الذاكرة، احضر بعض الملامح العمرانية للمدينة مثل الفسقية والجامع الكبير، والألوان المنتشرة في بلاط المدينة وازقتها، وأطياف لنساء عبرن المدينة والذاكرة، كل هذه التفاصيل يعيدها بن مسعود الى الحياة.
تتواصل الجولة في أعمال عبد المجيد بن مسعود، لازال لعبق المدينة وذكرياتها حضورها الطاغي في ألوانه والكتل البصرية المستعملة، يميل بن مسعود إلى مزج الواقعي مع التجريبي في لوحاته فتكون مختلفة تشبهه وتشبه قيروانه أيضا في خليط معماري وثقافي وفكري وشعري يمتد إلى الوان بن مسعود، تلك الالوان نجدها في لوحة «صباح الخير» تجسد امراة تحمل وطنا على راحه يدها، أسفل اللوحة توجد بعض الرموز التراثية خاصة زينة الشبابيك وتلك العصافير الصغيرة الموجودة في البيوت العتيقة، اللون الأخضر هو البارز والقيروان مدينة معروفة بكثرة الزوايا والاماكن التي يرتادها الصوفيون ليصبح الاخضر سيد المكان واللوحة كذلك، الأصفر المتدرج الى البياض يتوسط العمل كانه اشعاعات ضوء تشد انتباه متامل العمل، تلك الشمس جزء من صيف القيروان الحار يلتقطه الرسام ليكون قيمة ضوئية توجه الذاكرة البصرية لمتأمل عمله التشكيلي، لتصبح حاملة الوطن ربما الذاكرة وربما النساء ايضا فهنّ عماد البيت والوطن.
الرسم جزء من الروح وتعبيرة تنتصر للحرية
عبد المجيد بن مسعود جزء من المشهد التشكيلي التونسي، فنان مختلف له بصمته المميزة في الرسم، عرف بميله وقدرته على استعمال اللون الازرق في اغلب اللوحات، يتقن جيدا التعامل مع هذا اللون الصعب ويجعله جزءا أساسيا في عمليته الإبداعية، فنان يرسم اللوحات كبيرة الحجم ويجعل الذاكرة والمدينة تحضران في العمل، في لوحاته تجدك تبحث كذلك عن ذكرياتك وطفولتك ربما تتقاطع مع بن مسعود، يميل الى الألوان الحارة في اغلب لوحاته فتكون متقدة كما الافكار المنتصرة للحرية.
لبن مسعود طريقته الخاصة في التعامل مع الاضاءة في لوحاته، امامها تشعر بسرّ غريب كانها إيقاعات موسيقية تنبعث من العمل، يحاول شد انتباه الزائر لكل التفاصيل تماما كما لوحة «رقصة عجائبية» تجسد معنى الانطلاق، يحضر الأبيض كقيمة ضوئية تتوسط العمل وتشكل ملامح أجساد راقصة، استعمل اللون البرتقالي متماهيا مع الأزرق وكأنها إشارة الى الهالة العجائبية التي يشعر بها الجسد الراقص، فكلما رقص تحرّر كذلك الألوان في اللوحة متحررة من كل الضوابط الكلاسيكية، «الرقصة العجائبية» رقصة ألوان تنافرت ثم انسجمت وتماهت، رقصة خطوط مختلفة أبدع بن مسعود في تجسيدها كفكرة حرة وعمل متفرّد وحده الرسام العارف بخباياه.
الرسم وسيلة للتعبير عما يسكن الروح، الرسم تجربة تعبيرة احبها بن مسعود منذ أن شاهد سائحا فرنسيا يرسم المدينة في فترة الطفولة، ذاك المشهد الجميل والغريب رسخ في ذاكرة الفنان ليكون اليوم علامة من علامات الفن التشكيلي في تونس وقد درس مادة التربية الفنية في العديد من معاهد هذا الوطن، لبن مسعود ركنه الخاص في الذاكرة، هذا الركن يرسمه باللون الاحمر القاني كما دماء الثورات، ويمزج ألوانا كثيرة بعضها يحفز الحواس واخرى تدفع للتفكير ومحاولة البحث وقراءة كل الرموز، ركن الفنان هو عنوان العمل هو فضاء لاجتماع الأفكار المختلفة والاحلام المتباينة المنتصرة للجمال والحياة والامل في النهاية.