مقترح الاستثمار الإماراتي على سواحل السودان.. شكوك وهواجس


أثار مقترح قيام الميناء الاستثماري الإماراتي على السواحل السودانية، والذي أعلن عنه مؤخراً، كثيراً من الشكوك والهواجس بشأن مصالح البلاد الاقتصادية.

تقرير: الفاضل إبراهيم

أفادت أخبار متدوالة وتسريبات بسعي دولة الإمارات العربية المتحدة للاستثمار في ساحل البحر الأحمر بإقامة ميناء جديد عبر شراكة سودانية يمثلها رجل الأعمال السوداني أسامة داؤود وشركة موانئ أبو ظبي في صفقة تصل إلى «4» مليارات دولار بجانب «2» مليار دولار مشاريع مصاحبة، ووجد المشروع المقترح نصيباً وافراً من التداول والنقاش، وسط شكوك وهواجس تجاه الصفقة التي قالت عنها حكومة الإمارات إنها لازالت في طور الدراسة.

أسامة داؤود

وبحسب رئيس مجموعة «دال» أسامة داؤود، فإن الميناء يقع على بعد حوالي «200» كيلومتر إلى الشمال من مدينة بورتسودان، وسيشمل أيضاً منطقةً تجاريةً وصناعيةً حرة على غرار جبل علي في دبي، بالإضافة إلى مطار دولي صغير.

وأشار إلى أن المشروع في «مراحل متقدِّمة» مع استكمال الدراسات والتصاميم.

التطوير أم التجديد؟!

ورد القيادي بشرق السودان، حاكم الإقليم الشرقي السابق عثمان فقراي، على سؤال «التغيير» حول الاستثمار في الميناء الجديد بواسطة شركة أبو ظبي للموانئ بسؤال آخر: «هل نحن في السودان محتاجون لموانئ جديدة حالياً؟ أم أن الحوجة لتطوير الموانئ القديمة؟».

وأجاب فقراي بأن الوضع يتطلّب تطوير الموانئ المتنوعة التي يملكها السودان بدءاً بالميناء الجنوبي الرئيسي للحاويات، مروراً بميناء عثمان دقنة في سواكن «الركاب» وميناء المواشي «هيدوب»، بجانب ميناء أوسيف للمعادن وميناءي بشار «1- 2» لصادر ووارد المشتقات البترولية.

وقال فقراي لـ«التغيير»: «وفقاً لهذه المعطيات نحن في حوجة لميناء إضافي في المستقبل لدول الجوار المغلقة جنوب السودان، تشاد، إثيوبيا وأفريقيا الوسطى، ولكن موانئ دبي بحسب تصريحات المستثمر أسامة داؤود تعتزم بناء ميناء منافس لميناء بورتسودان وهذا أمر خطير جداً يهدِّد مصالح السودان الاقتصادية والأمنية والسيادة الوطنية، كما يهدِّد بتشريد عشرات العمال في الموانئ السودانية التي تعاني حالياً من إهمال ربما يكون متعمداً وحرائق كما حدث في ميناء سواكن، بجانب غرق لإحدى بواخر شحن صادر الماشية- كلها إشارات تقود لفرضية أن هنالك عملاً متعمداً للتخريب وبالتالي قيام ميناء جديد بديل لميناء بورتسودان».

وحذّر فقراي من خطورة الاستثمارات للمشاريع الكبيرة التي يتم عن طريقها تهديد السيادة الوطنية والأمن القومي.

عثمان فقراي

تجارب فاشلة

وشكك فقراي بنوايا دولة الإمارات في إنشاء ميناء جديد بالسودان وقال: «ليس لدي عداء شخصي مع الإمارات ولكن تجارب شركة موانئ دبي الفاشلة في إدارة موانئ جيبوتي والصومال تدفعنا لرفض هذا الأمر والتشكيك في مصداقية الشركة».

وأشار إلى أن المنطقة التي أقامت بها شركة دبي ميناءً في بربرا شمال شرق الصومال شهدت عدم استقرار أمني ومحاولات للانفصال، ووجدت الشركة الفلبينية شريك موانئ دبي معارضة من الصوماليين وقتل مدير الشركة في مقديشو.

وقال: «كما أن الاستثمار الإماراتي لموانئ جيبوتي وجد احتجاجاً كبيراً بعد أن أخذت الشركة كل شئ بما فيها الضرائب وانتهت المشكلة بالمحاكم بين الطرفين، وأيضاً لا ننسى محاولات الإمارات السيطرة على موانئ اليمن والاستفادة منها سياسياً وأمنياً».

واتهم فقراي الشركة الفلبينية التي كانت تعمل في ميناء بورتسودان لمدة ثلاث سنوات بالمساهمة في تدني كفاءة الميناء «واتضح في النهاية أن لها علاقة شراكة بشركة موانئ دبي حيث سبق وتقدمت بعطاءٍ جديد لإدارة ميناء بورتسودان وتم رفضها والآن تخطط موانئ دبي للعودة إلى السودان من بوابة الاستثمار السوداني المشترك».

ملف أمني واستراتيجي

من جانبه، اعتبر مدير مركز بحوث ودراسات دول حوض البحر الأحمر البروفيسور حاتم الصديق محمد أحمد في إفاداته لـ«التغيير»، أن السودان يمثل منجماً للموانئ والمراسي المنسية، حيث تم حصر حوالي «15» ميناء يمكن إحياؤها في الساحل السوداني الطبيعي والنظيف الممتد لأكثر من «700» كيلو متر أبرزها ميناء قوناب الأقرب جغرافيا لميناء جدة مقارنة بميناء سواكن.

وأكد أهمية استثمار هذه الموانئ عقب تشكيل حكومة وطنية منتخبة وليس الآن، على أن تتم هذه الخطوة بواسطة السودانيين أنفسهم.

وأشار الصديق إلى أن الموانئ السودانية المقترحة إذا ما تم استغلالها ستحقّق عوائد مالية ضخمة بمليارات الدولارات للسودان، ونوه إلى أن ملف الموانئ أمني واستراتيجي واقتصادي متشعِّب لذلك منح أي دولة أجنبية أمتيازاً واستثماراً في الموانئ يتطلّب موافقة العديد من الجهات وليس قرار جهة واحدة فقط، وأضاف: «المثل السوداني يقول الشوال بشيلوهو أربعة أشخاص».

وتابع: «لذلك هذه القرارات يجب أن تتخذ بهذه الطريقة وبالعدم وجود توافق عام يحقق مصالح السودانيين».

مدير مركز بحوث ودراسات دول حوض البحر الأحمر حاتم الصديق محمد أحمد

توقيت غير مناسب

وأوضح الصديق أن التلويح بمشاريع مصاحبة وبنى تحتية ليس مبرراً للقبول بأي عرض للاستثمار في الموانئ السودانية.

وقال: «يجب ألّا نُكرر الأخطاء التي وقعنا فيها في مجال النفط، تم بناء وإنشاء عدد كبير من المنشآت ولكن الإنتاج لم يوازِ هذه المشاريع».

واعتبر أن الوقت غير مناسب حالياً لطرح الاستثمار في الموانئ السودانية لأن المستثمر سيستغل تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية لفرض شروطه باستثمار رخيص، «كل مستثمر يسعى لتغليب مصالحه وهذا أمر طبيعي، لذلك من الطبيعي أيضاً أن نغلّب نحن كسودانيبن مصالحنا بقيام مشاريع موانئ سودانية أو باستثمار واضح المعالم وبشفافية مع شركات ناجحة عقب تكوين حكومة وطنية».

حوجة لموانئ جديدة

أما الخبيرة الاقتصادية د. سبنا إمام فترى أنه بغض النظر عن رعاة المشروع ونواياهم، فإن السودان بحاجة لميناء جديد ومتطور، «وهذا الميناء يفترض أن يكون ميناءً وسيطاً لتفريغ السفن الضخمة في سفن أقل حجماً».

سبنا إمام

وأكدت لـ«التغيير»، أن هنالك حوجة لشراكة استراتيجية لتنفيذ هكذا مشروع على أن يظل الميناء الحالي لصادر ووارد السودان فقط حفاظاً على مصادر رزق العمال في شرق السودان.

وقالت: «وقبل هذا وذاك نحن بحاجة لحكومة وبرلمان منتخبين قبل توقيع أي اتفاقيات».

وطالبت سبنا، الحكومة الحالية بتوضيح مصير اتفاقيات د. حمدوك ود. هبة ووزرائهم مع الشركات الأمريكية وبرنامج الغذاء العالمي والشركات الألمانية والبنك الدولي والصندوق لأنه لا أحد يعترف بحكومة معينة ناهيك عن حكومة انقلابية.

بديل ومنافسة

وعاد عثمان فقراي، وقال إن مكان الميناء الجديد المقترح شمال بورتسودان وليس جنوبها يثير الشكوك في أنه بديل لبورتسودان.

وأضاف: «وفقاً لذلك الميناء الجديد سيكون خصماً على ميناء بورتسودان وحسب ما سمعنا أن المقترح كان ميناء جنوب طوكر في منطقة عقيق ولكن هذا الخيار تم رفضه بحسب التسريبات لتكلفتة العالية لأن خور بركة يقطع المنطقة، كما أن المنطقة بها سلسلة جبال وعرة مما يزيد من تكلفة الطرق والربط الشبكي للاتصالات، لذلك أصبح خيار شمال بورتسودان هو المطروح للاستثمار، ونحن نقول إن الاستثمار بهذا الشكل خيار مرفوض جملةً وتفصيلاً».

توقيت مريب

بدوره، وصف الخبير الأكاديمي، الأستاذ بجامعة الخرطوم البروفيسور إبراهيم أحمد أونور، توقيت الصفقة بـ«المريب» خاصةً في ظل حاجة الدولة لعملات حرة نتيجة لتوقف كل المساعدات الخارجية للسودان بعد 25 أكتوبر الماضي.

وقال: «الغريب في الأمر أن دولة الإمارات حاولت في أواخر عهد حكومة البشير في ظل ظروف اقتصادية مشابهة شراء ميناء بورتسودان عبر شركة فلبينية بمبلغ زهيد لحكومة السودان ولكن لحسن الحظ لم تتمكّن من تمرير الصفقة في ذلك الوقت نتيجة لتسارع الأحداث السياسية في تلك الفترة».

إبراهيم أونور

واجهات وعملاء

وبحسب أونور، أنه وخلال الفترة الانتقالية استمرت الإمارات تطرق على نفس الهدف مستخدمةً عدة واجهات وعملاء لها لخصخصة الموانئ بصورة كاملة من خلال السماح لدولة أجنبية أو قطاع خاص لميناء جديد يتضمّن مخاطر عالية لا تعوض بمبالغ مالية مهما كانت الحوجة الظرفية، إذ أنها تمثل انتهاكاً للسيادة الوطنية لأن الموانئ من المرافق الحساسة التي لا ينبغي التفريط فيها، حيث أنه عبرها تخترق أمن الدولة والمجتمع وتفقد الدولة سيادتها كما أن الخسائر الاقتصادية باهظة، خاصة عندما يرتبط الأمر بتدمير الموانئ الوطنية الموجودة، علماً بأن الإيرادات السنوية لميناء صغير مثل ميناء جيبوتي تصل اثنين مليار دولار سنوياً.

وتساءل أونور: «لماذا لا يتم إدخال الاستثمارات الأجنبية لتطوير وتوسعة الموانئ الموجودة من خلال آلية تحفظ للطرفين، الحكومة والقطاع الخاص، حقوقهما بدلاً عن قيام موانئ جديدة على أنقاض القديمة».

مخاوف التمرد

وشن عثمان فقراي، هجوماً شديداً على وزير المالية جبريل إبراهيم واتهمه بمحاربة أهل الشرق، وقال: «لا يمكن أن تفرض الجبهة الثورية رأيها في موضوع المسارات في اتفاق السلام وقبل أن تنتهي المشكلة يقوم وزير المالية ورئيس حركة العدل والمساواة بالإتفاق مع شركة دبي القابضة لإنشاء ميناء منافس لميناء السودان الرئيسي».

وأضاف: «هؤلا يتعاملون مع الميناء بطريقة البقرة الحلوب دون مراعاة لأهل الشرق ومكون البجا ولا تتم حتى مشاورتهم في قضاياهم المصيرية وهم أصحاب المصلحة الحقيقيين».

وتابع بأن الأنباء الواردة بتجميد العمل في صندوق الشرق من قبل وزير المالية تؤكد أن هنالك ترصداً لإنسان الشرق.

وحذّر فقراي من تأثير التهميش على أهل المنطقة، وقال إن قضية الموانئ تمثل حياة أو موت لإنسان شرق السودان، وأشار إلى أن أول تمرد بدأ في الشرق كان بسبب الموانئ مطلع التسعينات عندما تم الاستغناء عن عدد كبير من عمال الشحن والتفريغ حينما تم تطبيق نظام الحاويات، حيث تمرّد العمال وحملوا السلاح ضد حكومة الإنقاذ من داخل الأراضي الإريترية بقيادة محمد طاهر أبو بكر.

تطمينات

واستبعد مصدر حكومي تحدث لـ«التغيير»، أن يكون قرار الاستثمار في الميناء الجديد اتخذه د. جبريل وحده.

وقال: «المشروع تمت مناقشته بواسطة جهات سيادية عليا وتم تكوين لجنة من ثلاثة أشخاص لدراسة العرض الأولي».

وأكد أن الدراسات والمفاوضات قطعت شوطاً بعيداً لكنها لم تُحسم بصورة نهائية.

وطمأن المصدر بأن الشراكة ستكون مرضيةً ومفيدة للاقتصاد الوطني إذا تمّت ولن تؤثر سلباً على ميناء بورتسودان الذي سيتم تأهيله قبل اكتمال المشروع الذي ربما يستغرق عامين.

غير أن المصدر أقرّ بوجود عقبات تواجه المشروع من ضمنها رفض نافذين للعرض وسط محاولات لتأجيل الموافقة على العرض.

تاريخ الخبر: 2022-06-24 06:22:13
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

الطالبي العلمي يتباحث في جوهانسبورغ مع رئيس البرلمان الإفريقي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-09-20 00:25:25
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية