لم تخلو الخرجات الأخيرة للأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران، من الحديث المتكرر عن شخص الملك، إذ يحكي عن علاقته بمؤسسة القصر بكثير من العفوية والتلقائية، على الأقل هكذا تبدو ظاهريا، لكنها وفق متابعين تخفي الكثير من دهاء الرجل السياسي، أي أن تصريحاته المثيرة لا تعني بالضرورة سذاجة رئيس الحكومة الأسبق.
حديث ابن كيران يجري في سياق كسرٍ لأعرافٍ ظلت غامضة وبعيدة عن الأذان والأبصار، يكشف مادار من بينه وبين الملك ويزيح الستار عن علاقة الملك بالمتداخلين في المجال السياسي.
يقول ابن كيران في مناسبات عدة، “جلالة الملك عينني وأعفاني جزاه الله خيراً”، “الملك ليس إلاها..ولكنه إنسان يصيب ويخطئ”، “أنا مجرد موظف في حكومة الملك”، “لا يقال لا لجلالة الملك”، “الملك أيقظني فجرا وعاتبني بسبب أمانديس” “الملك يغضب علي مرة وجوج..عادية راه سيدنا هذاك”، “الملك أحضر لوالدتي هدية من أمريكا”، “الملك جعل لي أربعة حراس يرافقونني أينما تحركت”، أنا ما مطلوبش مني رضا جلالة لملك”، “أنا مطلوب مني السمع والطاعة فيما هو واجب للدولة أو النصح من قبلي لجلالة الملك”، “أخذت عهدا ألا أقول لجلالة الملك إلا الحقيقة”.
تكرار إقحام اسم الملك في الخطابات السياسية للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، يقول عنه ملاحظون أنه محصلة مختزلة لمخاض اندماج حزب العدالة والتنمية بزعامة عبد الإله ابن كيران في المشهد السياسي المغربي، وذلك عبر العلاقة الجدلية البالغة الدقة والحساسية التي تربط الأخير بمؤسسة القصر وبشخص الملك بالتحديد. فكل الدهاء السياسي لبنكيران يتجلى في علاقة الشد والجذب مع المؤسسة الملكية، فهو يكرر في كل خطاباته تشبثه بالنظام الملكي كصمام أمان وضمان وحدة واستقرار المغرب.
اخر ما قال بنكيران، عن علاقته بالملك، كانت نهاية الأسبوع الماضي، بمراكش خلال المؤتمر الجهوي لحزب العدالة والتنمية المنعقد هناك، “كنت أنتظر استقبال جلالة الملك، وحينها جاء مصطفى الرميد أيضا بدعوة من جلالة الملك”، مبرزا أن الرميد سأله حينها عما يمكنهم القيام به، فأجابه إذا عينك جلالة الملك فأنت رئيس الحكومة، وسنطبق ما يريده جلالة الملك”. فالملك استقبله رفقة مصطفى الرميد بعد تعيينه، وآخذ عليه جملة من الأشياء، مشيرا إلى أنه رد على ذلك في إطار الاحترام اللازم.
يعود زعيم البيجيدي بالتأكيد على تصريحات سالفة، “نحن لا نجامل سيدنا، ونعتقد أن علاقتنا بالملك مبنية على البيعة وليس على الدستور فقط”، قبل أن يوجه كلامه إلى خصومه قائلا: “لا تحاولوا أن تقدموا أنفسكم كمبعوثين من طرف الملك، سيدنا إذا أراد أن يرسل لي شيئا فإنه يرسله لي مباشرة، وماشي بعيد يكون مقلق عليّ”، مضيفا أن “الملك آخذ عليه بعض الأشياء أكثر من مرة، لكنه في أحيان كثيرة يكون مسرورا”.
علاقة حزب العدالة والتنمية بالملك، يقول ابن كيران هي “علاقة مبنية على الشرع لا تتبدل ولا تتغير”، كما عاد بذاكرته إلى سنة 2011 حينما كان يحضر اجتماعات مع المستشار الملكي محمد معتصم، رئيس لجنة مراجعة الدستور. مضيفا “أخبرت مصطفى معتصم أن التنصيص على قدسية الملك في الدستور يشوش علينا، وطلبت منه أن يبلغ ذلك لجلالة الملك، وحينما عاد في الاجتماع الموالي أخبرنا أن الملك طلب منه أن يبلغهم أن (القداسة لله والعصمة للأنبياء وأنا ملك مواطن)”.
و معلوم أنه كان يجاهر باختلافه مع بعض أنصاره في الحزب المناصرين لطرح فكرة الملكية البرلمانية، وفي ذلك يقول منتقدوه أنها رغبة في إعادة تموقع الحزب في النسق السياسي الوطني بعد سقطت انتخابات 8 شتنبر الماضية التي شهدت تراجع حزب المصباح إلى المرتبة 8 وفشل بذلك في تحصيل حتى على فريق برلماني يمكنه من مراسلة أدوار المعارضة بالشراسة السياسية المطلوبة.
تحركات ابن كيران السياسية يربطها البعض بالتقاعد الاستثنائي الذي حظي به بنكيران، هو تقاعد حظي به على الأقل ثلاثة رؤساء حكومة في المغرب الأكثر تأثيرا منذ استقلاله، الذين ارتبطت تجاربهم الحكومية بمراحل تاريخية دقيقة في المغرب، وهم كل من عبد الله إبراهيم وعبد الرحمان اليوسفي وثالثهم أخيرا عبد الإله بنكيران الذي أثارت واقعة إعفائه من رئاسة الحكومة رجة في الساحة السياسية المغربية، وهو مالا يخفيه الرجل، الذي قال في كثير من المرات إنه ” ليس لدي لا فيلا ولا منزل عادي ولا حتى براكة، أنا أسكن في بيت زوجتي ولا أملك أي عقار في المغرب”، مضيفا بخصوص من انتقد استفادته من السيارة واعتبرها من ممتلكات الدولة ” السيارة التي منحها لي الملك هي بملكية الملك وليست ملك الدولة، واستفادتي من المعاش أمر صحيح والحمد لله “.