“لن تكون رجلا إلا بعد ضرب زوجتك يوميا، شعارنا هو لا تُصاحب امرأة إن لم تكن قادرا على ضربها صبحا وعشية” بمثل هذه الجمل، والدعوات التي توصف بكونها “تحريضا صريحا للعُنف المباشر ضد المرأة” ينطلق منتسبو “الحبة الحمراء” في المغرب، تجسيدا لأفكارهم.
وتجدر الإشارة إلى أن “الريد بيلRed pill” تعني “الحبة الحمراء”، اشتقت من مشهد في فيلم “ماتريكس”، حيث يقدم أحدهم لبطل الفيلم حبتين إحداهما حمراء وأخرى زرقاء، فالحبة الزرقاء تمثل جانبي الغفلة والراحة، تناولها يؤدي بصاحبها إلى الاستمرار فيما هو فيه من هروب من الحقيقة لأجل الارتياح، بينما تناول الحبة الحمراء يؤدي بصاحبها إلى الخروج من الغفلة والعلم بالحقائق بالرغم من أن هذه الحقائق صادمة وشاقة على النفس؛ هو الذي أعطى انطلاق الحركة في الغرب، لكن ما هي قصة تحريض الرجال على العنف ضد المرأة في المغرب؟
الحبة الحمراء في المغرب
على مدار الأيام القليلة المُنصرمة، تابعت الأيام 24، بروز حركة “ريد بيل” في المغرب فكرية جديدة، وحاولت فهم أفكارها المستجدة، بخصوص رفضهم للحركة النسوية وأفكارها، واستعادة المجد للرجل أو على الأقل، ضد محاولات ما يعتبرونه “استعباد الأنثى للرجل في العالم، مقابل تهميش الرجل وإضعاف دوره في أفق استعباده” على حد تعبير هذه الفئة.
تعددت طرق دعواتهم للعنف ضد المرأة، والنتيجة واحدة، شباب كُثر في مجموعات “فيسبوكية” بآلاف الاشتراكات، والكثير من المنشورات والتفاعلات، تصل إلى حث الرجال على عدم الزواج من امرأة عاملة، أو التي تفضل استكمال دراستها، معتبرين ذلك مدخلا لتبني الفتاة أفكار الحركة النسوية، والاستقلال المادي عن الرجل، كما أنهم يرفضون الإنجاب أحيانا، ويدعون إلى اعتزال النساء، إلى غاية استعادة المبادرة ودور الرجل، وكذا يحرضون على الضرب.
وتُعبر زينب الإدريسي، ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي ومهتمة بقضايا المرأة، عن صدمتها من اكتشاف النسخة المغربية من حركة “الريد بيل الأمريكية” بالقول إن “هذه الحركة في النسخة الأجنبية، وفي مجتمعات قطعت أشواط طويلة في تفعيل قوانين تحمي المرأة من الظلم، و التحيز والهيمنة الذكورية، تهدف إلي إبقاء الهيمنة الذكورية، وإلى مُعارضة كل أشكال المناصفة والمساواة بين الرجل والمرأة في المجتمع”.
“أما في المغرب فاتخذ بعض الشباب والمراهقين من الريد بيل ذريعة للدعوة إلى العنف ضد المرأة، إلى العلاقات السامة والمحقرة للمرأة، حيث أنه أطلقت مؤخرا المجموعة الفيسبوكية ريد موروكو، حملة بعنوان إلا مضربتيهاش أنت ماشي راجل، يدعو فيها أعضاء المجموعة إلى تعنيف زوجاتهم” توضح الإدريسي في حديثها إلى الأيام 24.
وأكدت المتحدثة نفسها على أنه “حان الوقت لوضع حد لهاته السلوكيات غير الأخلاقية وإلى التعامل مع هذا النوع من المجموعات المناهضة للعنف ولتغرير بالقاصرات والتعامل معهم كعصابات تهدد أمن المواطنات”.
القانون المغربي وحركة الحبة الحمراء
محمد المو، محامي بهيئة الرباط، يقول إن “مثل هذه الدعوات الموجهة العموم والتي تحمل خطابا عنيفا ضد المرأة، يستهدف بالأساس سلامتها الجسدية، يُشكل منعطفا خطيرا في مسار حركية ظاهرة العنف ضد النساء، الأمر الذي يتعين معه التصدي له بحزم، باعتبار أنه قد يؤدي إلى تبرير نزعات العنف الزوجي، الذي يظل أساسا رقما أسودا في إحصائيات العنف ضد النساء”.
ويضيف المو، في حديثه إلى الأيام 24، أنه “من الناحية القانونية فهذه المنشورات لها تداعيات خطيرة باعتبارها موجهة للعموم، عبر أكثر وسائل التواصل الاجتماعي انتشارا، تدعو بشكل مباشر إلى المس بالسلامة الجسدية للمرأة بسبب جنسها، وهي أفعال مجرمة ومعاقب عليها ويستوعبها صك اتهام ثقيل تتوزع فصوله بين مقتضيات القانون رقم 103/13المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء وقانون رقم 00/77المتعلق بالصحافة”.
وفي تفصيله للتكييف القانوني لهاته الأفعال، يوضح المحامي بهيئة الرباط، أنه “انطلاقا من محتويات هذه المنشورات فهي تشكل عنفا نفسيا موجه ضد النساء، وفقا للتعريف الوارد في المادة الأولى من القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، باعتبارها تشكل اعتداءات لفظية وتهديدا خطيرا يستهدف المس بكرامة المرأة وحريتها وأمانها والسعي إلى تخويف المرأة وترهيبها”.
“أيضا هذه الأفعال موصوفة بجرائم السب والقذف المركب ضد المرأة بسبب جنسها معاقب عليها بغرامة مابين 12000درهم الى60000درهم وفقا لمقتضيات الفصلين 444_1و 444-2من القانون 103/13” يؤكد المحامي.
وفي السياق ذاته، يقول المو، إنه “بحكم الوسيلة المستعملة في نشر وترويج هذه الخطابات العنيفة ضد المرأة يجعل من هاته الأفعال تقع تحت طائلة مقتضيات قانون رقم 77/00المتعلق بالصحافة باعتبار أن الفصل 38 منه يعاقب الفاعل، بصفته شريكا في الجريمة المرتكبة، إذا كانت نتيجة عملية تحريض شخص أو عدة أشخاص على ارتكاب عمل يعتبر جناية أو جنحة بواسطة خطب أو تصريحات أو مطبوعات.. أو بواسطة ملصقات معروضة أمام أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية والالكترونية”.
“بحكم دعوات التحريض التي تحملها هذه المنشورات فهي تدخل في نطاق الفصل 39مكرر من قانون الصحافة، الذي يعتبر كل من استعمل وسائل النشر المحددة في الفصل 38 للتحريض على التمييز العنصري أو على الكراهية أو العنف ضد شخص أو أشخاص اعتبارا لجنسهم أو لأصلهم أو للونهم أو لانتمائهم العرقي أو الديني، ويعاقب على ذلك بعقوبة تتراوح بين شهرين إلى سنة واحدة وغرامة مابين 3000الى 30000درهم” يردف المو.
ويختم المحامي بهيئة الرباط، حديثه مع الأيام 24، مشيرا إلى أنه “انطلاقا من هذه التكييفات القانونية فإنه يمكن تحريك البحث والمتابعة في حق كل من ثبت مساهمته في صنع وترويج وبث ونشر ومشاركة هذه المنشورات، سواء بشكل تلقائي من طرف النيابة العامة باعتبار أن القانون يخول لها تحريك المتابعة بناءا على ما يصل إلى علمها من جرائم، أو بناء على شكاية أو وشاية من نساء أو أفراد أو جمعيات المجتمع المدني”.
