تركيا و«أهون الشرين» في سوريا


إذا خيرت تركيا بين «التطبيع مع النظام السوري» وقبول قيام «دولة كردية» في شمال سوريا وعلى حدودها الجنوبية، فإنها ستنحاز إلى الخيار الأول، على مرارته، باعتباره «أهون الشرين».

هذا هو مضمون كلام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أول من أمس، بل إنه ذهب إلى القول إنه كما حصل في أفغانستان، فهو مع «التعامل مع النظام دون الاعتراف بشرعيته».

مقاربة تركيا في «الاختيار بين شرين» قد تكون جديدة، لكنها ليست الوحيدة في ذلك. إذ أنه عندما اكتسح تنظيم «داعش» في 2014 مناطق شاسعة من الأراضي السورية في ذروة تمدده وتكسير الحدود السورية - العراقية، تمهلت دول غربية في الدفع نحو «إسقاط النظام»، لأن «البديل هو داعش». وبعض الدول توقف عن دعم فصائل المعارضة، خصوصاً التنظيمات الإسلامية، وعبر عن «القلق من انتصار ساحق للمعارضة». وهناك من يعزو أحد أسباب عدم دعم الرئيس باراك أوباما توجيه ضربات جوية في سوريا في نهاية 2013، إلى «الخوف على النظام أكثر من النظام». كما أن روسيا تدخلت في سوريا نهاية 2015، لـ«الحفاظ على الدولة السورية» ومنع سقوطها في أيدي «داعش» الذي كان على مرمى حجر من دمشق، حيث تقيم حكومة لا تسيطر سوى على 10 في المائة من البلاد، حسب الاعتقاد الروسي وقتذاك. وقيل وقتها إن دولاً دعمت التدخل الروسي، أو لم تمانع فيه، خوفاً من «البديل» أو «أسوأ الشرين».

إسرائيل، بدورها، وضعت بين خياري تموضع إيران و«حزب الله» الاستراتيجي على حدودها الشمالية و«إسقاط النظام»، وبين التنسيق مع روسيا لـ«إنعاش النظام»، فاختارت الثاني والحصول على غطاء روسي لملاحقة إيران وتطبيق «خطوطها الحمر» على طريق طهران - بغداد - دمشق - بيروت، ودعمتها في ذلك أميركا الموجودة في شمال شرقي سوريا ولا تريد أن تقع كل البلاد في الأيدي الإيرانية... «الشر الأكبر».

أما الدول العربية، فإن بعضها اختار منذ البداية الوقوف مع دمشق، فيما شجع توسع دور طهران وتوغل أنقرة آخرون على «التطبيع»، كما بات الحديث عن «الدور العربي» تعبيراً عن تفضيل بقاء الحكومة السورية و«شرعنتها» وتعزيزها لـ«مواجهة الفرس والعثمانيين الجدد»... تحت شعار «أهون الشرين».

بوادر المقاربة التركية الجديدة مهمة من حيث توقيتها. وسبق أن نزلت أنقرة في العقد الأخير، من رأس الشجرة في مطالبها من «إسقاط الأسد» إلى «قبول دور له في بداية أو نهاية المرحلة الانتقالية»، إلى توقيع اتفاقات خفض تصعيد وإجراء مقايضات برعاية روسية - إيرانية. وتخلت أنقرة عن شرق حلب مقابل «تقطيع أوصال» الكيان الكردي بين شرق الفرات وغرب الفرات في نهاية 2016، وتنازلت في بداية 2018 أمام موسكو للتوغل إلى عفرين، شمال حلب، لمنع وصول الكيان الكردي إلى البحر المتوسط، كما قبلت لاحقاً ترتيب موسكو وطهران لقاءات أمنية بين رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك ومدير المخابرات التركية حقان فيدان.

لقاء مملوك - فيدان بداية 2020 سبقته لقاءات أمنية - سورية في ريف اللاذقية وفي طهران، وكشفت نقاط التقاطع والافتراق. فأمام تصاعد القلق من الدعم الأميركي لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية و«النزعات الانفصالية»، باتت أنقرة مستعدة للتنسيق مع دمشق، رغم اعتقادها أن الأخيرة فتحت في 2011، الأبواب واسعة لتوسع نفوذ الأكراد انتقاماً من تركيا وضغطاً عليها. وقتذاك، اقترحت موسكو العودة إلى اتفاق أضنة لعام 1998، الذي سمح لتركيا بالتوغل في ملاحقة «حزب العمال الكردستاني» بعمق خمسة كيلومترات شمال سوريا، فيما كانت دمشق تريد تنازلات من «الاحتلال التركي» في إدلب وحلب تخص الطريق الدولي ووجود القوات التركية في شمال سوريا. وقتذاك، الظروف لم تكن ناضجة: موسكو وأنقرة تنسقان في شمال غربي سوريا، وواشنطن وموسكو تنسقان في شمال شرقي سوريا، ودول عربية تريد منافسة تركيا في سوريا. لكن الكلام التركي الأخير لوزير خارجية تركيا يأتي في ظروف مختلفة:

- أولا، محاولات التعاون الروسي - الأميركي سقطت بسبب الحرب الأوكرانية، كما انتهت خطط مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك للضغط على الأكراد مقابل إقناع روسيا لدمشق بالتفاوض مع «الانفصاليين» وقبول تسوية تفاوضية.

- ثانياً، الوجود الأميركي قائم وثابت مع إدارة جو بايدن، على عكس ما كان الحال عليه في زمن إدارة دونالد ترمب، خصوصاً بعد تجربة الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، باعتبار أن هذا الوجود في سوريا علامة نصر لأميركا ضد «داعش». الوجود ليس مفتوحاً، لكنه قائم.

- ثالثاً، دول عربية كانت تتقارب مع دمشق لمنافسة أنقرة، باتت تبحث عن تقاطع بينها وبين تركيا، وسوريا قد تكون بين ساحات التقاطع، وهناك من يتحدث عن مشاريع إعمار تركية - عربية فيها.

هل أصبحت أنقرة مستعدة لـ«التعاون» مع دمشق، لمنع قيام «دولة كردية تمثل تهديداً للأمن القومي» السوري والتركي والإيراني؟

لا شك في أن كلام جاويش أوغلو والحديث عن لقاء أمني سوري - تركي، يحملان وراءهما الكثير خصوصاً إذا ربطا بضربات «الدرون» التركية لقياديين أكراد شمال شرقي سوريا والعملية الجديدة شمال غربي العراق.


تاريخ الخبر: 2022-04-23 06:24:23
المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 88%
الأهمية: 100%

آخر الأخبار حول العالم

وزارة الأوقاف تفتتح اليوم 26 بيتًا من بيوت الله منها 24 مسجدًا جديدًا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:30
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 49%

أسعار اشتراكات مترو الأنفاق للطلبة.. إنفوجراف

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:33
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 48%

وزير الصحة يعزي الخبراني في والدته - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:24:30
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

اليوم.. آخر موعد لمعرض أهلا مدارس الرئيسى فى مدينة نصر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:32
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 36%

الجامعة العربية: قرار الجمعية العامة بإنهاء وجود إسرائيل خل

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:39
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية