لماذا واجه المغرب البنك الدولي بقوة رغم ديونه التي تبلغ 94 في المائة من ناتجه؟


  • محمد كريم بوخصاص

من النادر أن يخرج مسؤول سامي لقول “لا” بشكل حاد لصندوق النقد الدولي، لكن عبد اللطيف الجواهري قالها بالفم المليان كما يقال، مؤكدا أن السيادة الاقتصادية للمملكة أمر مقدس، فما حدود تدخل النقد الدولي في الاقتصاد المغربي؟ وهل نستطيع دائما أن نقول “لا”؟

 

الثلاثاء 22 مارس. وبنبرة حادة غير مسبوقة، أعلن والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري عدم رضوخ المغرب لمطلب وجهه إليه صندوق النقد الدولي في نونبر 2021 يتعلق بالمرور إلى المرحلة الثالثة من تحرير سعر صرف الدرهم، قائلا: «قولوا ما تريدون واكتبوا ما شئتم، نحن نعرف أوضاعنا الداخلية أحسن منكم، ولن نمضي إلا بعد أن نتأكد من أن الجميع مستعد». وأضاف: «بعثة الصندوق قالت لنا إن الشروط متوفرة للمضي في التعويم، أهمها السياسة النقدية المضبوطة وعجز الميزانية المتحكم فيه، والاحتياطي الأجنبي في المستوى المطلوب، لكني قلت لهم إن المرحلة الموالية هي الأصعب، ولن نمر إليها».

 

كانت هذه المرة الأولى التي خرج فيها مسؤول مالي رفيع في المملكة الشريفة لقول «لا» أمام الملأ في وجه صندوق النقد الدولي، لكنها أعادت للواجهة الحديث عن «الإملاءات» التي يفرضها الصندوق على الدول النامية، فإلى أي مدى تتحكم المؤسسات المانحة الدولية في اقتصادات الدول الضعيفة

 

يختلف خبراء الاقتصاد المغاربة حول تعاطيهم مع ما يصدر عن «النقد الدولي»، فمنهم من يعتبر هذا الأخير مؤسسة لحماية مصالح الدول الكبرى والتدخل الفج في السيادة الاقتصادية لدول العالم الثالث، ومن بينها المغرب، وبين من يرى أن ما يصدر عنها ليس سوى «توصيات» يفرضها واقع الشراكة مع الدول، ومن بينها المغرب الذي يرتبط معها بعلاقة شراكة وتعاون قديمة تمتد لستين عاما.

 

معركة التحرير !

 

أيا كان التوصيف الصحيح لما يصدر عن «النقد الدولي» تجاه المغرب، فالواضح أن المعركة الحالية تدور حول التحرير الشامل للدرهم، إذ ركب المغرب قطار «التعويم» في يناير 2018، بسماحه لسعر صرف الدرهم بالتحرك بهامش 2.5 بالمائة صعودا أو هبوطا أمام سلة من عملتي الأورو (بوزن 60 بالمائة) والدولار (بوزن 40 بالمائة)، كمرحلة أولى للتعويم الكامل على مدى 10 سنوات، قبل أن يشرع في مارس 2020 بتطبيق المرحلة الثانية من تحرير سعر صرف الدرهم، بتوسيع هامش التحرك إلى 5 بالمئة صعودا أو هبوطا، لكن «النقد الدولي» ينتظر من المغرب المرور سريعا للمرحلة الثالثة المتعلقة بالتحرير الكامل.

 

اللافت للانتباه، أن الظروف الحالية غير مواتية بالمطلق لمرور المملكة إلى المرحلة الموالية من التحرير، فكل الاقتصاديين يعتبرون أن أي قرار بهذا الشأن «انتحار ما بعده انتحار»، بما في ذلك المدافعون عن تحرير العملة، لكن صندوق النقد الدولي لا يهمه ذلك ويوجه خطابات باستمرار إلى بنك المغرب، الأمر الذي يزكي فرضية أن الصندوق لا تهمه مصلحة الدول التي تقترض منه.

 

وبتتبع ما يصدر عن الصندوق في علاقة بتحرير الدرهم، نجد أنه يُصدر توصياته للسلطات المغربية بعدم التأخر في توسيع نطاق تحرير سعر صرف الدرهم منذ يناير 2019، قبل أن تشتد هذه «الضغوط» في الآونة الأخيرة، في وقت يبدو مشهد الاقتصاد الوطني «قاتما» بفعل التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا وارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية بفعل الحرب الروسية الأكرانية، وشبح الجفاف الذي يخيم على سماء المملكة.

 

ومن خلال نظرة أولية على المؤشرات الاقتصادية، يظهر أن المناخ الاقتصادي في المغرب غير مناسب بالمطلق لتطبيق سياسة الصرف الجديدة، فمعدل التضخم ارتفع في فبراير 2022 إلى 3.6 في المائة (بزيادة بـ0.5 في المائة عن يناير)، كما أن احتياطي العملات الأجنبية لا يكفي لتغطية احتياجات الاقتصاد المغربي لمدة تفوق ستة أشهر، يضاف إليه خفض بنك المغرب على هامش اجتماعه الأول للسياسة النقدية في عام 2022 توقعاته للنمو للعام الحالي إلى 0.7 في المائة مقابل 20.9 في المائة مبدئيا، و7.3 في عام 2021.

 

ومما يزيد الطين بلة، أن حجم الدين الخارجي العمومي للمغرب بلغ في نهاية شهر يونيو المنصرم حوالي 373.26 مليار درهم. ووفقا لبيانات صدرت من مديرية الخزينة والمالية الخارجية، التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، يهيمن الدائنون متعددو الأطراف على هيكلة هذا الدين بحصة تبلغ 48.3 بالمائة، ثم الأسواق المالية الدولية والبنوك التجارية (28.8 في المائة)، وثالثا بلدان الاتحاد الأوروبي (15.8 في المائة) ثم بلدان أخرى (4.4 في المائة)، وبلدان عربية (2.7 في المائة).

وبخصوص توزيع الدين الخارجي العمومي حسب العملة، يستحوذ الأورو على حصة الأسد بـ59.4 في المائة، ومن ثم الدولار الأمريكي بنسبة 31.5 في المائة، والين الياباني بـ2.8 في المائة.

 

إملاءات أم توصيات !

 

تُعطي مطالب «النقد الدولي» للمغرب بالمرور للمرحلة الموالية من تحرير سعر الدرهم فكرة عن حجم الضغوط التي تتعرض لها الدول الضعيفة من أجل سن سياسات اقتصادية ضد مصالحها، علما أنها تكون مضطرة لاتباع توصيات الصندوق تبعا لطبيعة شراكتها معه والشروط التي توضع أمامها للحصول على القروض.

 

ويعود تأسيس صندوق النقد الدولي إلى العام 1944 من طرف الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ومنذ تلك الفترة يعتبره العديد من الخبراء أداة لتطويع اقتصادات دول العالم الثالث، علما أن المغرب انضم إلى هذه المؤسسة في 25 أبريل 1958، ووافق على الالتزامات المنصوص عليها في المادة 8 من قانونها الأساسي، والمتعلقة بقابلية الدرهم للتحويل من أجل المعاملات الجارية في 21 يناير 1993، إضافة إلى تقيده باحترام الالتزامات التالية: عدم اللجوء إلى التقييدات على الأداءات الجارية، وعدم اللجوء إلى الممارسات النقدية التمييزية، وقابلية الموجودات المملوكة للبلدان الأخرى الأعضاء للتحويل، وتبليغ المعلومـات، والتشاور بين الدول الأعضاء بخصوص الاتفاقات الدولية الجاري بها العمل، وضرورة التعاون في ما يتعلق بالسياسات المرتبطة بالأصول الاحتياطية.

 

وفي 15 دجنبر 2005، وقع المغرب على المعيار الخاص بنشر المعطيات الخاص بصندوق النقد الدولي (NSDD)، ليصبح بذلك البلد العضو الثاني والستين الذي ينخرط في هذا المعيار، والبلد الثالث في منطقة الشرق الأوسط. وتشكل هذه الخطوة بالنسبة للمغرب التزاما قويا بالشفافية ومرحلة مهمة في تنفيذ الممارسات الجيدة المعترف بها دوليا في مجال الإحصائيات.

 

وتبعا لهذه الالتزامات، تتم مراقبة الاقتصاد المغربي بشكل منتظم من خلال بعثات بعين المكان تقوم بها فرق صندوق النقد الدولي عادةً مرة في السنة، وتهدف هذه البعثات ـ وفق ما هو معلن – إلى تبادل وجهات النظر مع الحكومة وبنك المغرب، قصد تقييم تطورات وآفاق الاقتصاد الوطني، وكذا المخاطر المحتملة. وتتمحور المحادثات مع فرق صندوق النقد الدولي أساسا حول السياسة النقدية، وسياسة الصرف، والسياسة المالية، وأيضا الإصلاحات الهيكلية الأساسية للمخطط الماكرو اقتصادي. وبعد الانتهاء من مهمتها، ترفع مصالح صندوق النقد الدولي تقريرا إلى مجلس الإدارة لكي ينظر فيه ويبلغ رأيه لاحقا إلى السلطات المغربية.

 

ويزداد تدخل صندوق النقد الدولي في السياسة الاقتصادية للمملكة مع تواصل الاقتراض منه، حيث يقود بنك المغرب، إلى جانب وزارة الاقتصاد والمالية، المفاوضات معه التي تخلص إلى إبرام اتفاق بشأن قروض أو برسم خط الوقاية والسيولة الذي استفاد منه المغرب في سنة 2012 و2014 و2016.

 

ومع ارتفاع حجم القروض الممنوحة، يزداد تدخل الصندوق، فيما يُعتبر أبرز نموذج لسياسة «الإملاءات» التي يتبعها الصندوق شروع المغرب بدءا من سنة 1983 إلى حدود سنة 1993 في تطبيق برنامج التقويم الهيكلي الذي استهدف القيام بإصلاحات في المجال الضريبي وقانون الاستثمارات عبر تطوير هذه القوانين، وتبني الخوصصة عبر تفويت مؤسسات عمومية تابعة للدولة إلى القطاع الخاص، لأن الدولة المغربية آنذاك كانت تعيش ضائقة مالية وفي حاجة ماسة إلى أموال ضخمة، وكان هذا الإصلاح المفروض على المغرب على حساب تخفيف نفقات الدولة في القطاع العام، وهو ما انعكس سلبا على قطاعات التعليم والصحة وفجر أزمات اجتماعية.

تاريخ الخبر: 2022-04-09 15:17:49
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 69%
الأهمية: 83%

آخر الأخبار حول العالم

اليوم.. آخر موعد لمعرض أهلا مدارس الرئيسى فى مدينة نصر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:32
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 36%

وزارة الأوقاف تفتتح اليوم 26 بيتًا من بيوت الله منها 24 مسجدًا جديدًا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:30
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 49%

أسعار اشتراكات مترو الأنفاق للطلبة.. إنفوجراف

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:33
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 48%

الجامعة العربية: قرار الجمعية العامة بإنهاء وجود إسرائيل خل

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:22:39
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

وزير الصحة يعزي الخبراني في والدته - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-20 06:24:30
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية