على مدار السنوات القليلة المُنصرمة، مرّت العلاقات المغربية الاسبانية بمُنعطفات كثيرة، أصعبها استضافة مدريد لإبراهيم غالي، زعيم جبهة “البوليساريو” بتاريخ 21 أبريل ومطلع شهر يونيو 2021، إلى رسالة بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الاسبانية، إلى الملك محمد السادس، مؤكدا فيها أن “إسبانيا تعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي هي الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف حول الصحراء المغربية؛ إلى اللقاء المرتقب، اليوم الخميس 7 أبريل الجاري للملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسباني.
وفي هذا السياق، يرى منعيم امشاوي، مختص في الأمن القومي المغربي، أن العلاقات المغربية الاسبانية تشهد حاليا مرحلة مُتجددة وحقبة جديدة متطورة، لأن زيارة رئيس الحكومة الاسبانية إلى المغرب واستقباله من طرف الملك في لقاء رسمي يُعتبر بمثابة لقاء قمة قادة البلدين، من دلالاتها تتويج لمسار طويل من المفاوضات والمباحثات من أجل وضع أسس جديدة للمرحلة المقبلة في العلاقة بين البلدين الجارين.
وزاد امشاوي، في حديثه للأيام 24 أن هناك عدد من القضايا التي تهم التعاون المشترك على مختلف الأصعدة بين البلدين، ظلت عالقة منذ وقوع الأزمة التي كانت على خلفية استقبل اسبانيا لإبراهيم غالي، فأنتجت تلك الأزمة ما بات يُطلق علي اليوم فرصة حاول المغرب استغلالها من أجل بناء علاقة جديدة مع اسبانيا، مشيرا إلى أن “المباحثات التي دامت لأشهر، نرى أن أول مؤشر فيها هو الخطاب الملكي المُعلن من خلاله بداية نهاية الأزمة مع الجارة الاسبانية، ثم ما تلاه من مجموعة مباحثات همت القضايا العالقة، بعد الاتفاق على الإطار السياسي”.
مصير العلاقات بين البلدين
كان الملك محمد السادس في خطابه السامي لثورة الملك والشعب في 20 غشت 2021، قد قال “إن هذه العلاقات مرت، في الفترة الأخيرة، بأزمة غير مسبوقة، هزت بشكل قوي، الثقة المتبادلة، وطرحت تساؤلات كثيرة حول مصيرها” داعيا خلال ذلك إلى تغليب منطق الحكمة والمصالح العليا، بغرض تجاوز هذا الوضع المؤسف، الذي يعمل على ضياع طاقة البلدين، فضلا عن كونه يتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين الشعبين المغربي والاسباني.
إلى ذلك، أكد امشاوي، الذي يشغل كذلك رئيس مركز تفاعل للدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، على أن الخطاب الملكي المُنصرم، يُمكن اعتباره نهاية الأزمة وفتح علاقة جديدة مع إسبانيا، فكان إعلانا عن التوافق حول الإطار السياسي، ربما كان كذلك بابا للنقاش حول الصيغة التي يمكن أن تُصرف فيها اسبانيا تغيير موقفها السياسي تجاه القضية الأساسية للمغرب، وهي قضية الصحراء، ثم أتت الرسالة من إسبانيا لتعبر بشكل مؤسساتي عن موقف الدولة الاسبانية من القضية، وهو تطور نوعي وجيد.
غير أن المتحدث نفسه، في حديثه للأيام 24، يرى أن هناك مجموعة من القضايا بين البلدين، التي تحتاج إلى صيغة جديدة واتفاقات جديدة، من تلك المتعلقة بالحدود البرية والبحرية، وكذلك قضايا الهجرة والتعاون الأمني، ومكافحة المخدرات والجريمة المنظمة، مشيرا في السياق ذاته إلى أن “لقاء اليوم يأتي تتويجا لكل هذا العمل الدبلوماسي الذي تم على مدار أشهر، فهو لقاء قمة يعطي الصبغة السياسية للمرحلة الجديدة”.
أما بخصوص رهانات المغرب في ضوء المرحلة الجديدة، فيضيف المختص في الأمن القومي بالقول، إن المغرب واسبانيا متفقان على أن كل بلد يعتبر شريكا استراتيجيا للآخر، لا يمكن الاستغناء عنه، ولا يمكن له أن يتطور دون التكامل مع الآخر، وكذلك إنه تاريخيا كانت العلاقة بين البلدين قد أسست على هذا النوع من التكامل؛ مردفا أن الرهانات الأساسية للمغرب تكمن في خلق سياق إقليمي داعم للوحدة الترابية ونوع من الشراكات الجديدة مع شركائه التقليديين كاسبانيا وفرنسا وباقي دول الاتحاد الأوروبي وغيرهم، فهذا النوع من العلاقات الجديدة المبني على توازن أكثر يقطع مع العقلية الاستعمارية السابقة التي كانت تحكم علاقة المغرب مع مستعمريه السابقين.
“بالنسبة للتخوفات فهي مبنية بالأساس على تبادل المصالح، وتبادل الاستفادة من الطرفين، لذا فإنها تظل موجودة وتظل حماية المصالح تستلزم جهودا دبلوماسية وعملا جادا حتى تُحقق التوازن في العلاقة بين الطرفين” يختم امشاوي حديثه للأيام 24.
تجدر الإشارة، إلى أن إيزابيل رودريغيز، المتحدثة باسم الحكومة الإسبانية، قد قالت خلال خلال ندوة صحفية في ختام اجتماع لمجلس الوزراء، يوم الثلاثاء المنصرم، إننا “ندشن مرحلة جديدة في علاقاتنا مع المغرب. أهم شيء هو التوجه نحو المستقبل وعدم النظر إلى الماضي. نحن راضون عن هذا الاتفاق، الذي يعني إعادة العلاقات الدبلوماسية مع بلد جار واستراتيجي بالنسبة لإسبانيا”.
