أعلنت السفارة الأوكرانية في تركيا يوم الثلاثاء أن اجتماعاً بين المفاوضين الأوكرانيين والروس في إسطنبول انتهى، في وقت أعلن فيه رئيس الوفد الأوكراني عن إحراز تقدم كاف في المحادثات بما يسمح بعقد لقاء بين رئيسي البلدين. وأردف الوفد قائلاً: "سنوافق على وضع الحياد بشرط وجود ضمانات أمنية"، مشيراً إلى أن إسرائيل وتركيا وبولندا وكندا قد تكون من الدول الضامنة.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أعلن الأحد أن بلاده "تدرس بعمق" قضية "حياد" أوكرانيا التي تشكل أحد البنود المركزية في المفاوضات مع روسيا لإنهاء النزاع. وأضاف في مقابلة مع وسائل إعلام، أن أحد بنود المفاوضات يتناول "الضمانات الأمنية والحياد".

هذا وتدفع كييف بالحياد في سبيل وقف الهجوم الروسي الذي تتعرض له منذ 24 فبراير/ شباط الماضي. فيما يعد الحياد موقفاً دبلوماسياً واستراتيجياً تتخذه عدد من الدول عبر العالم، تكفله القوانين الدولية والتوازنات الإقليمية، ويختلف إلى أنواع بحسب كل تجربة.

ما الحياد؟

التعريف الأبسط للحياد هو التزام دولة ما اعتزال المشاركة في حرب معينة، أو دعم أحد أطرافها بالعتاد أو الدعم اللوجيستي. وحسب ميثاق الأمم المتحدة، يعرف الحياد على أنه "الوضع القانوني الناجم عن امتناع دولة عن المشاركة في حرب مع دول أخرى، والحفاظ على موقف الحياد تجاه المتحاربين، واعتراف المتحاربين بهذا الامتناع وعدم التحيز".

وتكفل معاهدة لاهاي 1907 الحق في الحياد، كما تحدد مفهومه بشكل عملي من خلال تحديدها لحقوق وواجبات الدول المحايدة. وتمنع المعاهدة في مادتها الأولى "انتهاك حرمة أراضي القوى المحايدة"، وفي المادة الثانية والثالثة تحرم على الأطراف المتحاربة "عبور أرض دولة محايدة بقواتها أو قوافلها المحملة بالذخيرة أو الإمدادات الحربية" أو "إنشاء محطة لاسلكية أو أي جهاز آخر للاتصال مع قوات متحاربة برية أو بحرية".

بالمقابل، تسقط المعاهدة وصف الحياد على الدول التي تتبناه، حسب مادتها 17، إذا ما أتت هذه الدول أحد الأفعال الآتية: "ارتكاب أعمالاً عدائية ضد أحد الأطراف المتحاربة" أو "القيام بأعمال لصالح أحد الأطراف المتحاربة". فيما "لا يعد عملاً عدائياً كل ما تفعله الدولة المحايدة لصد محاولات النيل من حيادها، حتى ولو كان ذلك بالقوة" حسب المادة 10 من ذات المعاهدة.

وتعد السويد من أقدم الدول المحايدة، فظلت ثابتة على موقفها منذ 1812 وكان آخر نزاع مسلح خاضته هو مشاركتها في الحروب النابليونية. وفي سنة 2017، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدون تصويت قرار قدمته تركمانستان بجعل يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول يوماً دولياً للحياد.

وتتبنى ثماني دول من العالم موقف الحياد، وهي: السويد، سويسرا، النمسا، فنلندا، إيرلندا، كوستاريكا، ولختنشتاين وتركمنستان. فيما يختلف شكل الحياد في كل تجربة منها، وبالتالي تحدد ثلاثة أنواع رئيسية له.

الحياد أنواع

أشهر هذه الأنواع هي الحياد المسلح، وهو الذي تتبناه كل من السويد وسويسرا، أي أن تلتزم الدولة بعدم الدخول إلى جانب أي طرف من أي نزاع مسلح، لكن هذا لا يمنعها تطوير قدراتها العسكرية، وإنتاج الأسلحة وتصديرها، أو التعاون مع تكتلات عسكرية لتعزيز دفاعاتها الوطنية.

وفي الحالة السويسرية، تتعاون البلاد مع حلف شمال الأطلسي منذ سنوات طويلة، مع أنها ليست عضواً فيه، ومع ذلك تبحث عن تعاون عسكري من أجل الحصول على القوة اللازمة لإدارة علاقاتها الدولية، ولتكون قادرة على العمل إلى جانب دول الجوار من أجل الدفاع عن نفسها في حال اضطرت إلى ذلك.

ومنذ احتلال روسيا شبه جزيرة القرم سنة 2014، عمدت السويد إلى زيادة نفقاتها العسكرية، وتعزيز شراكاتها وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع حلف الناتو. ورفع الهجوم الروسي الأخير على أوكرانيا المخاوف السويدية بشأن أمن البلاد، كما ازداد الدعم الشعبي لمطلب انضمام ستوكهولم إلى حلف الناتو.

وفي حالة التجربة النمساوية، أتى الحياد بعد هزيمة البلاد في حربين عالميتين وخسارتها أراضٍ عديدة، وكان ذلك الخيار نوعاً من رفض فيينا اقتسامها بين المعسكرين الغربي والشرقي، على غرار جارتها ألمانيا. ومذاك سعت للنأي بنفسها عن الانضمام إلى التكتلات العسكرية الدولة، غير أنها انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في سنة 1995، وبالتالي تشملها اتفاقياته الدفاعية.

أيضاً تجربة كوستاريكا التي تبنت الحياد سنة 1949، وبموجب ذلك ألغت جيشها بشكل كامل، وحافظت فقط على قوات أمن داخلية. وحذت جارتها بنما نفس الحذو سنة 1989، وبالتالي أصبحت الحدود بين كوستاريكا وبنما هي الحدود الوحيدة غير العسكرية في العالم بعد أن حذت بنما نموذج كوستاريكا وألغت جيشها في عام 1989.

TRT عربي