أين تكمن الأزمة ؟


 

أين تكمن الأزمة ؟

خالد فضل

بصرف النظر عن وقائع اليوم   وما تنطوي عليه من مآسي فعلية، من غير المقبول أخلاقيا  القفز فوقها أو تجاهلها ، فإنّ إجالة النظر المتمكث ، وطول التأمل الناقد والمتسائل ، ربما بات من الأمور الحتمية ، ليس فقط لتقدم حياة الناس في بلادنا بل لحفظ الأود قبل كل شئ ، فمن غير الموضوعي أن يظل الموت ( سمبلا) صفة ملازمة لمراحل تطورنا السياسي والإجتماعي   ودون التوقف الفاحص في هذه المسيرة المتعثرة لحيوات الناس السودانيين ، في مختلف الأرجاء الفسيحة من أرضنا , وصفة الفسيحة هذه تشمل الأرض ومن عليها من بشر وما عليها من موارد سطحية ومطمورة ، الكل في السودان المواطن والزائر والمقيم يدلي بدلوه حول صفة ( الفسيحة ) هذه ، ويعقبها مباشرة  لفظ الإسدراك ( لكن) ، ولو لم تك لكن هذه معروفة أصلا في  اللغة ربما كنا قد أوجدناها لتوصيف الحال ، وهذه علّة من عللنا الظاهرة وهي القدرة الفاعلة والموضوعية والكثيفة في التحليل والتنظير يقابلها ضعف بائن في العمل والإنجاز   في كل مجال من مجالات الحياة والتي مع الأسف تشهد كلها تراجعا يكاد يلامس تخوم الإنهيار التام .

نرمي اللوم مباشرة على الآخرين دون إكثراث بكون الآخرين من الزاوية الأخرى يرمون اللوم على اللائم نفسه أو اللائمة ، لا نقبل بصورة عامة النقد المباشر ،  ونلتقط الإشارة عندما تكون على طريقة إياك أعني وأسمعي يا جارة ، ثمّ نكوّن مباشرة ودون تريث موقفا مضادا للنقد، ويمتد الموقف إلى قطيعة وخصومة على المستوى الشخصي , وكيد و( حفر) على المستويات التنظيمية ، مهنيا أكان التنظيم أو سياسيا أو حتى منظمة مجتمع مدني  بل حتى في قطاعات الفكر والإبداع والفنون والموسيقى نمتلك رصيدا محترما من لغة ( هيييييي دي مالا ) !!

هل هذه واحدة من أزماتنا الوجودية ؟ هل للتعددية البائنة عرقيا ودينيا وثقافيا وجهويا دورا في كون إجتماعنا الإنساني إجتماعا قلقا ؟ هل لسؤ الإدارة  عموما دور في ذلك ؟ ما سبب سؤ الإدارة ؟ أهي غلوطية البيضة والدجاجة ؟

لقد قدّم د. عبدالله حمدوك توصيفا نظريا موضوعيا حول الراهن السياسي إبان توليه منصب رئيس مجلس الوزراء في الفترة الإنتقالية المؤودة بإنقلاب البرهان حميدتي في 25أكتوبر من العام الماضي ،  كما ظلّ الرجل للأمانة ومنذ خطابه الأول في المنصب يدعو إلى بناء مشروع وطني جديد يسوعب حقائق الواقع السوداني بتعقيداته المختلفة ، ويحوز على أكبر قدر ممكن من التوافق والقناعة في أوساط السودانيين جميعهم , دعوات البدء في بناء هذا المشروع ليست وليدة أفكار د. حمدوك وحده بكل تأكيد بيد أنّ أطروحة الدكتور جاءت وهو في موقع يمكنه من قراءة أفضل بحكم ما يتوفر لديه من فرصة الإلمام بتفاصيل أكثر والإستماع إلى وجهات نظر متباينة بصورة عفوية أو قصدية ، إنّ خريطة الطريق لتحقيق الإنتقال الديمقراطي مثلا ستظل واحدة من الوثائق التشخيصية المميزة  لواقعنا العام , والإشارات الواردة حول جزئية التشرذم الوطني والتبعثر بين المكونات المدنية والعسكرية كل على حده وبين المكونيين في الجانب الآخر هي التي قادت في يوم 25أكتوبر إلى مواصلة العزف المنفرد على وتر تصعيد الأزمات ،الحصيلة التي تحققت من الإنقلاب هي مزيد من التشظي الوطني , وحتما  إذا استمر الحكم الإنقلابي ستصل  حالة التشظي إلى مرحلة الحروبات الأهلية متعددة الأطراف ، لا قدر الله ذلك ، ولكن لابد من النظر في هذه الفرضية بجدية , والتجارب البشرية العديدة في عدد من الدول تؤكد إمكانية حدوث هذه الكارثة .

الأزمة في تقديري تكمن في عدم قدرتنا بصورة شبه عامة على قبول وضعيتنا كبشر متعددين في جوانب كثيرة , ولهذا نعمل ساعة إجتماعنا في النشاط العام على هذه النقائص والتناقضات ، فيما نمتلك في الحقيقة وعلى المستوى الفردي والحيّز الخاص رصيدا ممتازا من الفضائل والخصال الإنسانية المحمودة ، الهوة تبدو بينة بين أدائنا أو معظمنا _ على الأقل_  في مجاله الشخصي وفضائه الخاص , ولحظة نقل تلك الفضائل إلى الفضاء العام ، يبدو معظمنا مرنا جدا ومستعدا لتقديم كل شئ في المجال الشخصي والخاص ، ولكن يبدو العسر والتعنت في الفضاء العام , بصورة عدمية وكأننا نحتكم إلى قاعدة ( إمّا الكل أو مافيش ) ، وبالطبع ما من حياة عامة تتحقق فيها الأرباح طوالي ودون فرضية أي خسارة ، فإلى أي مدى نتقبل الخسائر بروح رياضية , ثم إلى مدى يبطرنا الظفر والمكسب ؟ حتى نبلغ حد التنبر بـ ( الزارعنا غير الله ، أو سنورثها لعيسى بن مريم ولحس الكوع … إلخ ما أثخننا به عهد الجلاوزة الإنقاذيين وقطعت عليهم الثورة السودانية الطريق لهنيهة لم تدم ليعودوا الآن أكثر قبحا كأنما زمننا دائري !!

شباب المقاومة البُسل وشاباتها الزهر  الذين/اللاتي  تصدوا لمظالم الإسلاميين بجسارة , ومهروا الأرض بدمائهم الشريفة , وأرواحهم الشفيفة ، هم الآن يشكلون الأمل في ميلاد فجر جديد   ولكن هل تبدو سكتهم كلها خضراء ؟ وهل تبدو ممارستهم حتى في المقاومة تتخذ دوما المنحنى التصاعدي أم ثمّ نواقص هنا وهناك ، من ضمن تلك الملاحظات اللازمة في رحاب الشباب الناهض ، الموقف المتعسف من القوى السياسية والأحزاب قاطبة ، فمن غير الموضوعي تصور بناء ديمقراطية بدون تنظيمات سياسية أيّا كان أداء هذه الأحزاب أو اخفاقها وتقصيرها أو تآمرها كما يزعم البعض ، بيد أنّ الإنتقال إلى مربع الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات واتخاذ الإنتخابات كوسيلة وحيدة لتداول سلمي للسلطة ، كل هذا يستوجب إعادة النظر في مفاهيم الشباب تجاه الأحزاب والعمل على تقويم ممارساتها عوضا عن معاداتها ووضعها في خانة الأعداء ، هذه خطة تخدم أعداء الديمقراطية وتفرحههم أيما فرح ، كما أنها تخلق ثغرات في صف المقاومة الباسلة بزيادة الهوة بين الصف الثوري ، وهذه في الواقع إحدى مظاهر أزمتنا الوطنية ، تناثر الإنشقاقات وتكاثرها ، ومن حبة ( زعلة) نخلق جبل خصومة ، الأوطان تبنى بالصبر وممارسة أقصى درجات ضبط النفس والتنازلات على قاعدة ذهبية مفادها الكل كسبان . ولعل فيما نشر الإسبوع الفائت من وقائع ورشة  عسكرية في  أحد مراكزهم العلمية  والتوصية بخروج العسكريين من الحياة السياسية ، هذا إتجاه حميد يتنام مع مطالب الثوار الواضحة حول سلطة الشعب مع حفظ دور ومام القوات العسكرية والأمنية وتطويرها ورفدها بكل حاجاتها دون أن تتسيد هي المشهد وبسبب سيطرتها ينهد كل الوطن ، في تقديري تلك خطوة تستحق الإنتباه والتعضيد وبلورة رؤية ملهمة وجذابة تساعد العسكريين في الخروج الآمن من ورطة الحكم  . ثمّ  قبل الختام لابد من التنويه ومباركة الخطوة الممتازة التي أقدم عليها الصحفيون/ات السودانيون/ات  بتوافقهم عل انتخاب اللجنة التمهيدية لنقابتهم /ن تمهيدا لتكوين تنظيمهم النقابي الحر الديمقراطي كرافعة أساسية في مسيرة نضالات شعبهم من أجل الكرامة وكفالة الحقوق ، نتمنى للزملاء/ات الذين نالوا ثقة الجمعية العمومية التأسيسية كل التوفيق ، ولنتقدم خطوة في الطريق الصحيح طريق التيير الشامل ، بالتكاتف والتعاضد والعمل بروح الفريق الواحد قيادة وقاعدة من أجل تقديم نموذج مشرف ولائق بنضالات الصحافة السودانية وتصديها لخدمة تطلعات شعبها في أحلك المواقف . ولابد من تحية مستحقة للزميل الخلوق فيصل الباقر على جهوده في التوافق بين الكيانات الصحفية حتى بلغنا هذه المرحلة المتقدمة  . ويتصل الحوار

تاريخ الخبر: 2022-03-27 03:21:52
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية