في هذا الوقت من العام، عادة ما يكون كيس هوزينجا مشغولا بزراعة القمح والشعير والذرة في مزرعته في وسط أوكرانيا. لكن بعد أن غادر العمال للالتحاق بالخطوط الأمامية، ترك المواطن الهولندي صوامع الحبوب الخاصة به ليحذر من تأثير العملية العسكرية في أوكرانيا في إمدادات القمح العالمية.
تزود روسيا وأوكرانيا نحو ثلث صادرات القمح العالمية، ومنذ العملية العسكرية في أوكرانيا، توقفت الموانئ المطلة على البحر الأسود تقريبا. نتيجة لذلك، ارتفعت أسعار القمح إلى مستويات قياسية، متجاوزة المستويات التي شوهدت خلال أزمة الغذاء في 2007- 2008.
قال المواطن الهولندي، الذي يعمل في الزراعة منذ عقدين في تشيركاسي، على بعد 200 كيلومتر جنوب كييف، "إذا لم يبدأ المزارعون في أوكرانيا الزراعة في أي وقت قريب، فستكون هناك أزمة كبيرة للأمن الغذائي. إذا انخفض إنتاج الغذاء في أوكرانيا في الموسم المقبل، فقد يتضاعف سعر القمح مرتين أو ثلاثة أضعاف". هوزينجا جزء من اتحاد زراعي، مكون من 1100 عضو يغطون ما يقل قليلا عن 10 في المائة من الأراضي الزراعية في البلاد.
في حين أن القمح المخزن جيدا، مثل الموجود في مزرعة هوزينجا، يمكن أن يستمر لعدة أشهر، حذر خبراء الزراعة وصناع السياسات من تأثير الشحنات المتأخرة في الدول التي تعتمد على المنطقة في إنتاج القمح والحبوب وزيت عباد الشمس والشعير.
قال جوزيف جلوبر، كبير الاقتصاديين السابق في وزارة الزراعة الأمريكية وزميل أقدم في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، وهو مؤسسة فكرية للسياسة الزراعية، "سيتعين عليهم العثور على موردين مختلفين وكل هذا يعني ارتفاع الأسعار".
حذر محللون ومنظمات المعونة الغذائية من أن الارتفاع في الأسعار سيؤدي إلى زيادة تضخم أسعار المواد الغذائية - الذي بلغ بالفعل أعلى مستوياته في سبعة أعوام عند 7.8 في المائة في كانون الثاني (يناير) - وسيكون التأثير الأكبر في الأمن الغذائي لمستوردي الحبوب الأكثر فقرا.
تستحوذ أوكرانيا على 90 في المائة من واردات لبنان من القمح وهي مورد رئيس لدول من بينها الصومال وسورية وليبيا. قال جيمس سوانستون، خبير اقتصادي في الأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس"، إن لبنان "يكافح بالفعل مع فاتورة استيراد مرتفعة بالفعل وهذا لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأمور".
كما تزود روسيا جارتها المطلة على البحر الأسود تركيا بأكثر من 70 في المائة من وارداتها من القمح، وفقا لمركز التجارة الدولي. حتى قبل العملية العسكرية في أوكرانيا، بلغ التضخم في تركيا أعلى مستوياته في 20 عاما عند 54.4 في المائة في شباط (فبراير). قال إسماعيل كمال أوجلو، الرئيس السابق لمجلس الحبوب التركي التابع للدولة والمدير الحالي لشركة "آي كيه تاريموسو" الاستشارية، "لن تؤدي الحرب إلا إلى تفاقم تكلفة الغذاء".
أضاف، "المهم هنا هو أن البحر الأسود يقدم ميزة لوجستية وسعرية (...) التكاليف سترتفع بشكل كبير عندما تشتري تركيا من الولايات المتحدة أو أستراليا. حتى لو انتهت الحرب غدا، فقد تعطل موسم الزراعة في أوكرانيا بالفعل وسيؤثر ذلك في حصاد 2022 مهما يكن".
اشترى برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي يشتري الحبوب والمواد الغذائية لتوزيعها على الدول الفقيرة، ما يقل قليلا عن 1.4 مليون طن من القمح العام الماضي، منها 70 في المائة من أوكرانيا وروسيا.
قبل العملية العسكرية واجه البرنامج بالفعل زيادة 30 في المائة في تكلفة القمح، بسبب ضعف المحاصيل في كندا والولايات المتحدة والأرجنتين. وأضاف أن الزيادة الأخيرة في أسعار الحبوب ستحد من قدرته على تقديم المساعدة.
قال عارف حسين، كبير الخبراء الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، "هذه صدمة غير ضرورية ذات أبعاد ضخمة". قال محللون إن ارتفاع الأسعار قد يؤدي إلى اضطرابات.
في المرة الأخيرة التي ارتفعت فيها أسعار القمح إلى هذه المستويات في الفترة بين 2007 و2008، بسبب الانخفاض الحاد في الإنتاج في الدول المنتجة الرائدة مثل أستراليا وروسيا، انتشرت الاحتجاجات في نحو 40 دولة بداية من هايتي إلى ساحل العاج، بينما قفزت أسعار الحبوب في الفترة بين 2009 و2010 وتعد أحد مسببات انتفاضات الربيع العربي في الشرق الأوسط.
تشكل روسيا ثلثي واردات مصر من القمح. تقول السلطات المصرية إن مخزونها من القمح سيستمر حتى منتصف حزيران (يونيو) وإن موسم الحصاد المحلي المصري يجب أن يبدأ بحلول منتصف نيسان (أبريل). قال سوانستون إن أي ارتفاع في أسعار الخبز المدعوم وزيادة تضخم أسعار المواد الغذائية في مصر "يزيد من خطر الاضطرابات الاجتماعية".
قال محللون إنه من غير الواضح مدى استمرارية الأزمة، وهي حقيقة تعزز الأسعار. قال تيم وورليدج من "أجري سينسس"، وكالة البيانات الزراعية والتسعير، "السوق قلقة من أن هذه ليست مشكلة سيتم حلها في وقت قريب".
مخزونات القمح محدودة في كل مكان، ومع قيام المشترين الصينيين والكوريين الجنوبيين للذرة الأوكرانية، التي تستخدم لإطعام الماشية، بالبحث عن بائعين في أماكن أخرى، ناقش وزراء الزراعة في الاتحاد الأوروبي الأربعاء السماح للمزارعين بزيادة الإنتاج باستخدام 10 في المائة من الأراضي التي يتركونها في العادة للحرث استجابة للحرب في أوكرانيا.
على المدى القصير، قد يكافح المزارعون الأوكرانيون الذين يواجهون الحرب لنشر الأسمدة والمبيدات الحشرية وزراعة البذور لمحصول الربيع. المحصول المقبل من المقرر أن يكون في الصيف الأوروبي. سيعتمد هذا الحصاد على المدة التي ستستغرقها العملية العسكرية في أوكرانيا ومدة حظر الصادرات عبر الموانئ.
قال هوزينجا، الذي يمكث في منزل صديقه في سيريت بالقرب من الحدود الرومانية الأوكرانية، السؤال المهم الذي أثير خلال مكالمة مع 75 مزارعا أوكرانيا من زملائه كان هل يزرعون أم لا. قد يكافحون للحصول على الأسمدة وحماية المحاصيل وليس من الواضح ما إذا كان بإمكانهم بالفعل حصاد وشحن المحصول. قال، "سلسلة التوريد معطلة".
ذهب البعض من أصل 400 موظف في مزرعته التي تبلغ مساحتها 15 ألف هكتار للقتال، ونشر هوزينجا مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لزملائه المزارعين في الملاجئ والقرويين وهم يذبحون الخنازير لتوصيل الطعام لمن هم في كييف وفي الجيش. قال إن المصاعب قد تمتد قريبا إلى ما هو أبعد من أوكرانيا. "يمكننا أن نواجه مشكلة كبيرة، ولا سيما الفقراء، الذين سيجدون صعوبة في الحصول على الخبز".