أسئلة محيرة تحوم حول الحرب في أوروبا


في حمى التركيز على الحرب بين روسيا وأوكرانيا وكثافة التفسيرات والتحليلات لآفاقها ومآلاتها وتبعاتها، يبرز سؤال مهم ومحير ومشوق في آن، يبدأ في الأغلب بـ"ماذا لو...".

غاية السؤال استخلاص الدروس من حروب وقعت في العقدين ونيف الماضيين، ومن ثم استخلاص الدروس الممكنة لما قد تخبئه الأيام.

وأي سؤال يستهل بـ"ماذا لو..." معناه أن هناك خللا أو رأبا، مفارقة أو وفاقا، منفعة أو أذية، خطرا أو أمانا، ربحا أو خسارة.

وتختلف الأسئلة وأجوبتها باختلاف السياق والبعد والقرب والتأثر المباشر أو غير المباشر بالحرب الضروس التي لم تشهد أوروبا مثيلا لها منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، أي قبل نحو سبعة قرون.

وعندما نحلل الخطاب ـ والخطاب هو السبيل لكشف - ليس الحقائق - بل النيات أيضا، نستبدل الفاعل أو المفعول به في الجملة، أي نضع اسما مكان آخر من خلال "ماذا لو..." وخذ هذا المثال: "إسرائيل تشن هجوما بالصواريخ على ضواحي دمشق".

وبعد دراسة ردود الأفعال، نحاول استبدال الفاعل، من خلال سؤال افتراضي: "ماذا لو شنت سورية هجوما بالصواريخ على ضواحي تل أبيب؟".
وخذ مثالا آخر: "مقتل خمسة أمريكيين في بغداد." ندرس ردود الأفعال مع التغطية الإعلامية، ومن ثم نستبدل مفردة "أمريكيين" بـ"عراقيين" ونقول: ماذا لو كانت الجملة الاسمية على شاكلة "مقتل خمسة عراقيين في بغداد".

لن يكون في المستطاع سبر أغوار أزمة إن كانت ذات تبعات كارثية كالحرب المشتعلة في أوروبا الآن أو الحروب التي وقعت في الشرقين الأوسط والأدنى في العقدين الماضيين، إن لم نثر أسئلة مثل هذه، نستبدل الفاعل فيها بالمفعول به، وهم الضحايا.

إثارة أسئلة ضمن شروط "ماذا لو..." التي ذكرتها في أعلاه، لا تعني أننا نبغي المساواة، رغم أن الأخلاق والأديان والمجتمع الغربي المتمدن يضع مقولة ومفهوم أن "الناس سواسية"، باختلاف الميل والدين والعرق واللون وغيره، أساس الحكم والنظرة إلى الآخر.

ولا علم لي لماذا يتجنب الإعلام التقليدي والمؤثر بصورة عامة تفسير الحدث ضمن سياق "ماذا لو...".

و"ماذا لو..." تجري أيضا على التوصيفات التي ترافق الأزمات ومنها الحرب الحالية في أوروبا.

وإن درسنا ما نحصده بعد تمحيص الأجوبة عن الأسئلة المثارة بـ"ماذا لو..." بعد استبدال الفاعل والمفعول به، لرأينا عجب العجاب من مفارقات. قارن غزو العراق في 2003 والتدخل العسكري في أوكرانيا في 2022 على سبيل المثال لا الحصر.

الحروب أمر بشع. في الحرب نفقد - ليس كثيرا من إنسانيتنا - بل أغلب الأخلاق التي نتشدق بها.

لكن كل غزو لغزو ليس نسيبا. وكل انتهاك للأخلاق وحقوق الإنسان ليس متساويا. وكل قتيل ليس متشابها.

لم ينبر - حسب اطلاعي وأنا أتابع مسار الحرب في الغرب - مسؤول كبير أو صحافي أو كاتب مؤثر، ويثير سؤالا يبدأ بـ"ماذا لو..." يستبدل فيه الفاعل والمفعول به فيما ينطقه من جمل وخطاب.

قرأت - أظن في صحيفة "ذي جارديان"، ذات التوجه الليبرالي اليساري - عمودا صحافيا يتيما في هذا الاتجاه، لكن الحذر والحيطة من مواجهة ومحاسبة الفاعلين وإنصاف الضحايا كانا على استحياء كبير، ما أضاع بوصلة المقال.

لم يكن الوضع أفضل في الصحافة العربية بصورة عامة، عدا بضعة مقالات في الصحافة العراقية، حيث عرج كاتبوها على مفهوم ومنطوق "ماذا لو..."، عندما استبدلوا الفاعل، أي الدولة المتدخلة عسكريا وهي روسيا بأوكرانيا.

أبدى هؤلاء الكتاب تعاطفا كبيرا مع الضحايا في الحرب في أوكرانيا ونددوا بالتدخل العسكري، لكن استجمعوا شجاعتهم منددين أيضا بالجنود الأوكرانيين الذين كانوا جزءا من جيش عرمرم غزا دولتهم في 2003 وأوقع كارثة مهولة فيها، لم تفق منها حتى الآن.

وذكر بعضهم بالعراقيين الذين وقعوا ضحية الجنود الأوكرانيين في محافظة واسط جنوب العراق، حيث كانت من حصة جيش الغزو الأوكراني في حينه.

نعيش عالما متشابكا من العسر على عقولنا الكبيرة استيعابه وفهمه وتفسيره.

وصرنا اليوم نكرر مع أنفسنا أسئلة كانت ربما لا تخطر على البال، أغلبها تبدأ بـ"ماذا لو..." ونأخذها على محمل الجد إن استجابت إلى ميولنا الذاتية ومصالحنا، وإلا تجاهلناها ونبذناها ووضعناها خارج السياق العام.

"ماذا لو تدخلت روسيا عسكريا في دول شمال أوروبا؟" سؤال يؤرق الحكومات في السويد وفنلندا والنرويج والدنمارك، التي صارت تأخذ هذه الفرضية على محمل الجد. وها أنا قابع في بيتي في الريف وصوت المدافع يخيفني، حيث شرع الجيش السويدي في التدريب بالذخيرة الحية في غابات ليست بعيدة عن مسكني.

الغرب اليوم يعيش دوامة "ماذا لو..." حتى على المستوى المعيشي، حيث تثار أسئلة جادة في هذا المضمار والدول تعبئ نفسها للتعامل مع هذه الأسئلة.

*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية".

تاريخ الخبر: 2022-03-11 15:16:40
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 77%
الأهمية: 94%

آخر الأخبار حول العالم

«الحليمي» يهدد النساء - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-20 03:25:08
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

التقوا 12 مرة.. الزعيم «عُقدة» العميد - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-20 03:25:06
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 59%

«طيور الظلام».. محرضون ودعاة فتنة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-09-20 03:25:14
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

pendik escort
betticket istanbulbahis zbahis
1xbetm.info betticketbet.com trwintr.com trbettr.info betkom
Turbanli Porno lezbiyen porno
deneme bonusu
levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino levant casino
bodrum escort
deneme bonusu veren siteler
Bedava bonus casino siteleri ladesbet
deneme bonusu veren siteler
deneme bonusu
deneme bonusu
sex ki sexy
deneme bonusu
kargabet
تحميل تطبيق المنصة العربية