مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية تتزايد مخاوف حول وضعية مسلمي البلاد بفعل تصاعد أفكار اليمين المتطرف ودعمها من حكومة ماكرون. هذا ما دقت من أجله الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية (ENAR) ناقوس الخطر، محذّرة من تدهور الوضع الحقوقي لمسلمي فرنسا خلال الشهور الأخيرة لولاية ماكرون.

كما حذَّرت الشبكة كذلك من أن يؤثر هذا التوجه العنصري الذي تتبعه الحكومة الفرنسية على السياسات الأوروبية مع تقلد باريس مطلع هذه السنة رئاسة الاتحاد. فيما تتزايد التقارير الإعلامية الدولية عن العنصرية ضد المسلمين المستشرية في فرنسا، لدرجة أصبحت هذه الجالية تفضل الرحيل هرباً من الاضطهاد اليومي التي تعيشه.

أوقفوا صيد الساحرات

"وضعية مسلمي فرنسا في خطر" هذا هو الاستنتاج الذي تفتتح به الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية (ENAR) بيانها الأخير حول وضعية المسلمين بفرنسا. بيان توصلت TRT عربي إلى نسخة منه، تقول الشبكة في مطلعه: "لقد حذَّرت الشبكة منذ شهور من الهجمات التي تستهدف المجتمع المدني في فرنسا وعلى رأسها الجمعيات المناهضة للعنصرية والإسلاموفوبيا (...) الأمر الذي يؤثر بشكل خطير على وضعية مسلمي البلاد".

وأضافت: "نحن لا نلحظ فقط تصاعد أفكار اليمين المتطرف في فرنسا، بل إننا نعيش فترة حكم هذا اليمين المتطرف، وعلى أوروبا أن تقلق بشأن هذا الأمر" يسترسل البيان في تشخيصه الوضع الحقوقي والسياسي الفرنسي، في إشارة إلى الخطاب المعادي للمسلمين الذي يروجه إعلام البلاد وإجراءات الحكومة ضد هذا المكون المهم من سكان البلاد.

وفي هذا الصدد تنقل ENAR عن تقارير "المرصد الفرنسي للحريات الجمعوية" وجود خروقات ممنهجة في قرارات الحكومة الفرنسية بحل الجمعيات والمدارس والمساجد الإسلامية، إذ يغيب السند القانوني لهذه القرارات التعسفية في 20 حالة مابين سنة 2016 و2021"، فالحكومة الفرنسية لم تعد تخجل من أن تشن هذه الحملات الممنهجة إعلامياً وإدارياً" وفق الشبكة.

وحسب رئيسة الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية، كارين تايلور، فإن "حملة صيد الساحرات التي تشنها الحكومة الفرنسية تدعو للقلق. فبدلاً من الدفاع عن حرية التعبير والاستماع إلى أصوات الأقليات التي تعاني العنصرية والمتأثرة بالسياسات التمييزية، فإنها تضاعف من معاناة وتهميش هذه المجتمعات بشكل أكبر. وبدلاً من الاعتراف بمشاكل الإسلاموفوبيا البنيوية، تُستخدم نظريات المؤامرة التي لا أساس لها من أجل جعل المسلمين أكباش فداء المسلمين للعملية السياسية".

وتعرضت هياكل ENAR والجمعيات المنضوية تحتها في فرنسا لهجوم شرس من مسؤولين حكوميين فرنسيين، لنشاطها في فضح وكشف الاضطهاد العنصري الممنهج الذي يشنه ماكرون وحكومته ضد المسلمين.

مخاوف من توسع دائرة الإسلاموفوبيا

وتسود مخاوف من أن يسيطر توجه الحكومة الفرنسية المعادي للمسلمين على سياسات الاتحاد الأوروبي، مع تسلم رئاسة فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي. التي استهلها ماكرون بإعلان حربه على الهجرة، قائلاً وقتها: "حماية حدودنا شرط أساسي لضمان أمن الأوروبيين ومواجهة تحديات الهجرة وتجنب المآسي التي عشناها".

حرب على الهجرة تقربه أكثر من الحكومات الشعبوية في أوروبا، على رأسها حكومة فيكتور أوربان المجرية المثيرة للجدل. هذا وحدث تقارب فعلي بين رأسي البلدين في هذ الصدد، كما تقاربا كذلك بخصوص الملف الطاقي الذي شكلّا فيه حلفا للضغط على المفوضية الأوروبية كي تمنح الطاقة النووية والغاز البطاقة الخضراء على أنهما طاقات نظيفة. فيما يقلق هذا التقارب عدداً من المراقبين، مخافة أن يتعدى الملفات السالف ذكرها إلى سن سياسات معادية للمسلمين.

تقارب آخر مثير للجدل أشار إليه بيان ENAR، بين الحكومة الفرنسية والنمساوية اليمينية المتطرفة. فشاركت فرنسا، شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في "مؤتمر فيينا من أجل محاربة التمييز في سبيل إدماج الأقليات"، والذي تلخصت مجرياته في تباحث قضية المجتمعات المسلمة في أوروبا وتشديد الرقابة والتضييق عليها.

وفي هذا السياق، قالت جيسلين فيدو، نائبة رئيسة الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية، إنه: "بالنظر إلى هذه التطورات المقلقة وغير المسبوقة، فإن الحركة المناهضة للعنصرية في أوروبا تعبر عن مخاوفها بشأن تأثير هذه المستجدات على سياسات الاتحاد الأوروبي بالنظر إلى رئاسة فرنسا لمجلس الاتحاد". وتضيف فيدو مؤكدة أن "خطاب الحكومة الفرنسية وأفعالها يتعارضان مع الالتزامات الإيجابية الأخيرة التي تعهد بها الاتحاد الأوروبي في خطة عمله لمكافحة العنصرية، والتي تؤكد على حاجة جميع الدول الأعضاء إلى وضع حد للعنصرية الممنهجة في جميع أنحاء القارة".

وتخلص نائبة رئيس الشبكة إلى التعبير عن أسفها من هذا الوضع بالقول: "كنا نتمنى ألا تسعى دول مثل فرنسا، التي كان لها دور أساسي في إنشاء المشروع الأوروبي، إلى تقويض التقدم في معالجة العنصرية في أوروبا والمساهمة في تآكل مبادئ الاتحاد الأوروبي الرئيسية".

TRT عربي